الثلاثاء، 8 يناير 2019


هل سيأتي قانون البصمة الوراثية بالمزيد من الضمانات لحماية الحق في الخصوصية؟
أ‌.        د. حسن السيد
8 يناير 2019

طالعتنا وكالة الأنباء القطرية والصحف المحلية يوم أمس (7 يناير 2019) بما تم تناوله في الجلسة الأسبوعية لمجلس الشورى القطري. ومما ورد أن المجلس تناول مشروع قانون بشأن البصمة الوراثية.
موضوع البصمة الوراثية نظمه المشرع القطري في عام 2013 بالقانون رقم (9) لسنة 2013. ذاك القانون جاء - بشكلٍ عام - متزنًا، مراعيًا خطورة الأمر وتداعياته على الحرية الشخصية والحق في الخصوصية، محددًا على سبيل الحصر العينات الحيوية التي تحفظ في قاعدة بيانات البصمة الوراثية، ومبينًا على وجه الدقة الأغراض التي يمكن الاستعانة بقاعدة بيانات البصمة الوراثية من أجلها، ومانعًا استخدام العينات الحيوية التي تم أخذها في غير هذه الأغراض، ومقررًا معاقبة من ينتهك سرية هذه البيانات أو يستخدمها بخلاف الأغراض التي نص عليها القانون. كما بين هذا القانون تأقيت حفظ العينات واعدامها بانتهاء الغرض الذي أخذت من أجله.
وكان قد سبق أن وافق مجلس الوزراء على مشروع القانون الجديد في جلسته في 24 اكتوبر 2018 وقرر إحالته إلى مجلس الشورى، حيث كشف وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك بأن مجلس الوزراء وافق على مشروع قانون بشأن البصمة الوراثية يحل محل القانون الحالي ويأتي في إطار تحديث التشريعات.
الخبر المقتضب الذي نُشر بالأمس عن مشروع القانون يثير القلق عما إذا كان التحديث المشار إليه سوف يأتي بما يقوض الحرية الشخصية وينتهك الحق في الخصوصية أم سأيتي بالمزيد من الضمانات لحماية حقوق الإنسان.
الحديث عن قانون البصمة الوراثية لا بد أن يعيدنا إلى الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الدستورية بدولة الكويت في عام 2017 بعدم دستورية القانون رقم (78) لسنة 2015 في شأن البصمة الوراثية). القانون الكويتي كان معيبًا بسبب عموميته وغموضه، إذ كان مفتقدًا للتحديد الجازم لضوابط تطبيقه. وقد بينت المحكمة أن (غموض النصوص التشريعية عامة يُعيبها).
أسباب كثيرة أدت إلى هذا الحكم بعدم دستورية قانون البصمة الوراثية منها أن:
·       القانون أطلق التحليل دون أن يقصره على إعطاء الحد الأدنى الضروري من المعلومات والذي يكفي لتحقيق الغاية التي صدر من أجلها القانون.
·        القانون لم يبين مآل العينات بعد الوفاة.
·       القانون لم يبين كيفية ووسيلة تصنيف المعلومات المأخوذة من البصمات الوراثية.
·       القانون لم يسبغ الحماية الواجبة على العينات ذاتها مكتفيًا بتقرير سريتها في حين أن الأمر مختلف ما بين الحماية والسرية.
كما بينت المحكمة أن (السجلات التي تحتوي قاعدة بيانات البصمات الوراثية بمثابة سجلات تكشف أمور الحياة الخاصة لكل من تواجد على الأراضي الكويتية باعتبار أن البصمة الوراثية لكل إنسان تحوي صفاته الشخصية التي تميزه عن غيره وتوضح نسبه وعائلته والأمراض الوراثية فيها، واسراره الطبية الدفينة، وهو ما يمثل انتهاكًا صارخًا للحرية الشخصية التي حرص الدستور على صونها)
ولم تعتد المحكمة بما قيل لصالح ابقاء القانون، فمن وجهة نظرها (لا يغير من ذلك ما قد يسهم فيه ذلك القانون عند تطبيقه من الحفاظ على الأمن والمساعدة في كشف الجرائم وتحديد ذاتية مرتكبيها والتعرف على هوية الجثث المجهولة، إذ أن ممارسة الدولة لحقها في حماية الأمن العام يحده حين ممارسته حق الفرد الدستوري في كفالة حريته الشخصية بما يقتضيه ذلك من الحفاظ على كرامته واحترام مناطق خصوصيته بعدم امتهانها أو انتهاك أسراره فيها دون مقتضى).
ما جرى في الكويت بشأن إلغاء هذا القانون لم يكن بالأمر الفريد، فقد أمرت محكمة حقوق الإنسان الأوربية أجهزة الشرطة البريطانية بمحو وتدمير قاعدة البيانات التي أنشأتها للبصمة الوراثية لأشخاص غير مدانين بأي جريمة، لانتهاكها حقوق الإنسان.
الآن ما نتمناه من مجلس الشورى أن يتأنى في دراسة هذا المشروع بقانون وأن يفحص محتواه بحذر وأن يثير ما يعتريه من عمومية وغموض، لا سيما في غيبة المحكمة الدستورية القطرية التي صدر قانون إنشاءها قبل 11 سنة دون أن ترى النور.

والله من وراء القصد.