صوت الشعب ليس بجريمة
الشرق القطرية، الثلاثاء 23 ديسمبر 2-14
في يوم الخميس 11 ديسمبر صدق مجلس النواب في البرلمان الإسباني على مشروع قانون الأمن العام الذي أثار عاصفة عاتية من الانتقادات من قبل أحزاب المعارضة ومجموعات حقوق الإنسان، والتي دعت من خلال مواقعها الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إلى وقفات ومسيرات احتجاجية شهدتها فعلاً يوم السبت الماضي عدة مدن إسبانية.
مشروع القانون الذي أطلق عليه المحتجون مسمى "قانون تكميم الأفواه، أو قانون الإسكات" يشمل غرامات باهظة ضد من يتظاهر بالقرب من مبنى البرلمان أو المنشآت الاستراتيجية، وضد من يمنع السلطة من إخلاء الساحات التي تشهدها تلك المظاهرات، أو يوجه الإهانة لها في تلك الأثناء، أو ينشر صورًا لرجال الشرطة مما يعرض سلامتهم للخطر.
الحزب الشعبي المحافظ - الذي يمتلك الأغلبية في البرلمان الذي صدق على مشروع القانون وينتمي له رئيس مجلس الوزراء الإسباني - أصدر منذ توليه السلطة في 2011 سلسلة من الإجراءات التقشفية وتخفيض النفقات في مجالي التعليم والصحة لتجاوز الأزمة المالية، مما أثار غضب الشارع في تلك الفترة، فطوق المحتجون الغاضبون البرلمان ودخل بعضهم في مواجهات دامية مع رجال الشرطة.
يرى هذا الحزب أن القانون وضع لضمان سلامة المواطنين والمنشآت الحيوية، بينما يرى المحتجون الذين وضع بعضهم الشريط اللاصق على فمه تعبيرًا عن قمع السلطات للكلمة، يرى هؤلاء أن القانون الجديد يعد انتهاكًا لحرية التعبير والتجمع وضربة للحقوق المدنية والسياسية، وأنه لم يوضع لضمان سلامة المواطنين كما تزعم الحكومة، بل لقمع صوت الشعب المُنكِر لسياسات الحكومة منذ توليها السلطة.
(المتظاهرون ليسوا مجرمين)، (صوت الشعب ليس بجريمة)، و(لماذا يُطلب من الناس السكوت في حين أن أول ما يطلقه الإنسان عند ولادته هو الصراخ؟) كانت هذه بعض الشعارات التي أطلقتها المسيرة الغاضبة. ويعد الشعار أبرز الأدوات المستخدمة في المسيرات والمظاهرات، إنه وقود التظاهر، وكلما كان معبرًا وبكلمات قليلة كان دافعًا إلى التعبئة واستمرارية التظاهر وصموده وانتشاره، إنه السلاح الوحيد الذي يحمله المتظاهرون السلميون، ولا يحتاج حمله إلى ترخيص.
ترى ما الذي يجعل بعض الدول الغربية تعدل من تشريعاتها نحو المزيد من تقييد الحريات، هل وضعت تلك التشريعات في زمن الترف الديمقراطي، ولم تعد صالحةً لدول تربط الحزام وتكتم أنفاسها لتتجاوز أزمتها المالية.
في تشريعاتنا العربية لا تقتصر عقوبة مخالفة قوانين التظاهر والمسيرات على الغرامة بل تقترن بالحبس أيضًا، ونادرًا ما نشاهد في محيطنا القريب وقفات احتجاجية ضد قانون أو تشريع سوف يصدر!، هل يعود ذلك إلى غياب منظمات المجتمع المدني الحقيقية والأحزاب السياسية الحقيقة!، مما يغيب معها الوعي بخطورة مثل تلك التشريعات؟ أم أن الوضع الاقتصادي الجيد الذي تعيشه بعض شعوب المنطقة يساهم في تخديرها عن تشريعات قد تُودي بحياتهم في المستقبل! أم لأن ليس للشعب دور في وضع القانون من الأساس فيؤدي ذلك إلى ضعف اهتمامه به.
بقي أن نقول إنه مهما حملت قوانين التظاهر والمسيرات من عقوبات صارمة، فإنها تصبح عديمة الفائدة إن عم الغضب الشعب كله، فالقانون ضمير المجتمع، وبقاؤه مرهون برضاه عنه.
والله من وراء القصد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق