السبت 15 يونيو 2013
قاعة المختصر، الرتز كارلتون
الدوحة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة السيد حسن بن عبدالله الغانم، وزير العدل،،
الدكتورة الفاضلة شيخة بنت جبر آل ثاني
العميد الدكتور حسان عكور
الزملاء الأفاضل
الحضور الكريم
أبنائي الخريجين وبناتي الخريجات
عندما أقرأ قصص العظماء أدرك جيداً لماذا خلد التاريخ ذكرهم افتخاراً واعتزازا..
- الزمان: قبل مائةٍ وأربعين سنة، وبالتحديد في عام 1870 للميلاد،
- المكان: كلية الاتحاد للقانون، شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية...
بين تصفيق حاد من البعض واستهجان وعدم تقبل من البعض الآخر سار موكب الخريجين إلى المنصة. كان جميع الخريجين من الذكور إلا واحدة هي "آدا كبلي". شقت هذه السيدة ذات الثلاث وعشرين ربيعاً طريقها في ذلك المكان المزدحم والمغلق على النساء لتستلم شارتَها كأول خريجة، امرأة ...في تخصص القانون.
للحظة وهي تنظر أمامها إلى جموعِ الحاضرين عادت بها الذاكرة إلى سنواتٍ قليلةٍ مضت، عادت بها إلى مكتب زوجها للمحاماة.... حيث كانت تقضي جُل وقتها في مساعدة زوجها... ليس فقط في التنظيم والإدارة بل ايضاً في الاستماع إلى ما استعجم على زوجها من قضايا معقدة. في ذلك المكتب الدافئ الصغير ولدت فكرة ... ولدت فكرة دراسة القانون. امرأة تدرس القانون، إنها في حد ذاتها فكرة جريئة ومحرمة، لن يتقبلها المجتمع، ولن تتقبلها كليات القانون، بل وإن تقبلتها، فإن المحاكم لن تقبل أن تحضر امامها امرأة. "لكنني سأحاول"، قالت آدا مبتسمة، "وسوف أراسل كليات القانون، سوف أحاول، نعم سوف أنتصر". رأى هنري في عيني زوجته الكثير من الثقة والكثير من الإصرار. لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق، لكنه تحقق وها هي تنظر إلى جموع الحاضرين أمامها، تبتسم وتواصل المسير.
لم يكن الالتحاق بكلية القانون الهدف الوحيد والتحدي الوحيد لدى آدا كبلي، فبمجرد تخرجها سعت للحصول على رخصة ممارسة المهنة وتقدمت بطلب إلى مكتب تسجيل المحامين في الولاية، قوبل طلبها بالرفض لمجرد كونها امرأة، فقانون الولاية لا يجيز للنساء مزاولة القانون. هدفٌ جديد، وتحدٍ جديد. "يجب أن يتغير هذا القانون، سوف اسعى لتغيير هذا القانون". بمساعدة زوجها والكثير من الاصدقاء وبعد محاولات عديدة ومقابلات عديدة شق مشروع القانون طريقه إلى النور أخيراً ليُلغي ذلك النص الجائر الذي ينتهك مبدأ المساواة ويكرس التمييز ضد المرأة. وبصدور القانون في 1872 لمعت عينا آدا قائلة للجميع: "عليكم بطمس كلمة "مستحيل" من قاموسِكم، فليس لها وجود إلا في حياة الكسالى والتائهين المظلمة".
"إن تفعيل ما تعلمتـُه في كلية القانون وما اكتسبته من خبرات ومهارات وتجنيد كل ذلك لخدمة المجتمع والرقي بقيمه وإزالة الترسبات القديمة الظالمة التي تراكمت على أرضه هو برنامج عملي، وهو يحمل الكثير من المخاطر، لكن وطني في النهاية يستحق الرقي ويستحق النقاء لكي يكون في المقدمة".
كانت آدا كبلي من المساندين الأساسيين لحركة النقاء المجتمعي، وكانت من أشد المناهضين لبيع الخمور وتعاطيها وارتياد حاناتها لما فيها من مضار حقيقية على المجتمع. كتبت الكثير عن فضائحها ونشرت يوماً أسماء الرجال الذين دأبوا على ارتياد هذه الأماكن، وعقدت حملات توعوية للأطفال لبيان مضار هذا المشروب الملعون. الكثير من الشباب اقتنعوا بمبادِئها ورأوا حماسَها وشعروا بإيمانِها، فشاركوها وقفاتها الاحتجاجية واعتصاماتها الطويلة أمام شركات توريد الخمور. تبنيها لمثل هذه الحركة جعلها عرضة للمخاطر. تلقت يوماً ضربة شديدة مفاجئة على رأسها من أحد ملاك الحانات كادت أن تُؤوي بحياتها، وقام أحد أبناء التجار يوماً بتسور منزلها وإطلاق الرصاص عليها فأخطأ هدفه وأصاب كلبَها في مقتل....تلك المخاطر كانت تزيد من اصرارها واستمرارها في الدفاع عن النقاء المجتمعي.
وقفت اياماً عديدة أمام مكتب البريد والريح الباردة تدفعها يمنة ويسرة... وقفت مطالبة بإزالة إعلانات تجارية تظهر نصف جسد امرأة عارية.... وقفت لتقنع رجال المكتب بإزالة هذه الصور المسيئة للمجتمع والمسيئة للمرأة، لكن لم تجد منهم أية استجابة، فقامت وبمساعدة ثلاث نسوة بإزالة هذه الاعلانات عِنوة مما أدى إلى القبض عليهن ثم إلزامهن بدفع غرامات.
لم يقتصر نشاط آدا على نقاء المجتمع بل امتد إلى المساواة والعدالة والإصلاح، وكان ملف حصول المرأة على حق التصويت والمشاركة في مؤسسات الولاية الاجتماعية والسياسية من أبرز الملفات التي ناضلت من أجلها.
كتب الله أن ترى آدا كبلي ثمار جهودها العظيمة، ففي 1919 أجري تعديلاً على الدستور الأمريكي، هو التعديل الثامن عشر، مُنع بموجبه صناعة الخمور ونقلها وبيعها وتوريدها أو تصدريها. ثم رأت آدا التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي ووفقاً له نالت المرأة حقوقها السياسية أخيراً.
وكما كان شباب آدا مفعم بالأهداف الجميلة كانت شيخوختها كذلك، "بالرغم من حزني الشديد لوفاة رفيق دربي زوجي هنري، وبالرغم من أن جسدي الضعيف والمتعب لم يعد يقوى على حمل آمالي الكبيرة ولم يعد يقوى على التنقل أو حتى الحركة إلا أنني استطيع أن افعل شيئاً، نعم بإمكاني أن أفعل شيئاً" كرست آدا سنوات عمرها الأخيرة في كتابة الأشعار والأغاني الهادفة والتي لا تخرج عن مضمون هدفها الكبير الذي عاشت من أجله، وهو الرقي بالمجتمع ورد الجميل إلى الوطن ليكون في المقدمة.
أبنائي وبناتي الخريجين، هذه قصة امرأة سخرت علمَها وجُهدَها لخدمة وطنها، ولم تتجمد دماءها عند عتبة التخرج، فهل ستتجمد دماؤكم عند عتبة التخرج؟
والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته.
الاقوال التي بين قوسين والتي وردت في هذه الكلمة على لسان آدا كبلي هي من وحي خيالي، وليست لآدا كبلي.
ردحذف