نشرت في جريدة الشرق
5 يونيو 2013
من الأمور التي يثيرها البعض في معرض خشيته من مجلس الشورى القطري المنتخب، تجربة مجلس الأمة الكويتي وحالة التأزيم السياسي المستمر والمتواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فيحاول تعسفاً تحميل البرلمان الكويتي مسؤولية بطء التنمية، لذا يدعو إلى عدم خوض تجربة مماثلة قد توصلنا إلى وضع مماثل.
ورغم أن هذا القول لا ينطلي إلا على البسطاء، إلا أن من الفائدة القيام بتفنيده. ذلك أن من يستحضر هنا التجربة الكويتية حسب رأينا إما أن تكون له مآرب أخرى، أو أنه لم يقرأ الدستور القطري، أو لم يدرك حقيقة تشكيل هذا المجلس، ولا حقيقة صلاحياته!، وهو أمر يجعل المقارنة بين المجلسين القطري والكويتي في غاية التباين!، فبشأن التشكيل على سبيل المثال، فإن مجلس الأمة الكويتي يتألف من أعضاء منتخبين عددهم خمسون عضواً، ومن الوزراء وهم أعضاء بحكم مناصبهم، ونسبة هؤلاء لا تشكل عائقاً أمام الوصول للأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات المهمة كفرض تشريع ما، أو سحب الثقة من وزير ما. أما تشكيل مجلس الشورى القطري فيتألف من 45 عضواً ثلاثون منهم منتخبون وخمسة عشر يعينهم الأمير وهو من يملك إعفاءهم، وهذا الثلث المعين يشكل في الواقع العملي نسبة معرقلة لعمل مجلس الشورى إنْ لم تكن نسبة معيقة لدوره، لكون الأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات المهمة هي أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس!
والتباين في القوة بين المجلسين لا يقتصر على التشكيل فحسب بل يبرز كذلك في شأن صلاحيات كلٍ منهما! ففي الرقابة على أعمال الحكومة على سبيل المثال لا يمكن لمجلس الشورى القطري أن يستجوب رئيس مجلس الوزراء، ولا يمكنه أن يطلب عدم التعاون معه، في حين يتمكن مجلس الأمة الكويتي من ذلك. كما لا يُمكن، من جانب آخر، أن تثار مسألة استجواب أحد الوزراء إلا بموافقة ثلث أعضاء مجلس الشورى في الوضع القطري، بخلاف الوضع في الكويت إذ يستطيع أي عضو من أعضاء مجلس الأمة منفرداً أن يوجه استجواباً لأي وزير (انظر المادة "100" دستور الكويت). أما بشأن سحب الثقة من وزير ما فلا يمكن في قطر أن يتم ذلك إلا بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الشورى أي ثلاثون عضواً، وهي أغلبية شبه مستحيلة التحقق في الواقع العملي لوجود الثلث المعين، في حين أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من أي وزير في الحالة الكويتية هي أغلبية الأعضاء المنتخبين أي أن الأعضاء بحكم مناصبهم لا يشتركون في التصويت (انظر المادة "101" دستور الكويت) وهي بالتالي أغلبية يمكن أن تتحقق في الواقع العملي.
لذلك كله فإننا نقول لمن يثير الحالة الكويتية ويخشى أن يؤدي وجود المجلس القطري المنتخب إلى مصادمات وتأزيم سياسي ينعكس على التنمية: اطمئن فإن واضعي الدستور القطري قد كفوك العناء ونزعوا فتيل ما تخشاه.
ورغم محدودية دور مجلس الشورى المنتخب والمرتقب الذي أثرناه في الفقرات السابقة، فإن ذلك لا يعني إطلاقاً عدم المطالبة به أو عدم الحث على الدعوة لانتخاب أعضاءه. فهو بلا ريب أفضل من المجلس الحالي المعين إذ سيصبح للشعب دور في انتخاب ثلثي المجلس، وهؤلاء المنتخبون سيستمدون قوتهم في أداء عملهم من قوة الشعب، ولن يكونوا أسرى لمن عينهم. كما أن عضويتهم مؤقتة بأربع سنوات تجرى قبل انتهائها انتخابات جديدة قد تأتي بدماء جديدة، تحمل طموحات وأفكار ورؤى الزمن الجديد الذي انتخبوا فيه، وهو خلاف المجلس المعين الذي يبقى فيه العضو إلى أمد غير مسمى يتجمد فيه فكره وفاعليته وحماسه إن لم تكن حركته أيضاً. أما بشأن الصلاحيات الأخرى فإن المجلس المعين وبخلاف المجلس المنتخب، لا يملك حق الاستجواب أو حق سحب الثقة من أي وزير، كما لا يملك حق اقتراح القوانين، علاوة على أنه لا يملك إلا رؤية باب المشروعات الرئيسة العامة من مشروع الموازنة العامة. بالتالي يعتبر المجلس المرتقب أفضل، شيئاً ما، من المجلس المعين ويحقق غرض التدرج نحو امتلاك المجلس يوماً ما صلاحيات برلمانية أوسع. علاوة على أن إجراء الانتخابات والجو الذي تحيا فيه ودوريتها، وعلنية جلسات مجلس الشورى ووجود أعضاء منتخبين سوف ينعكس لا محالة إيجاباً على حرية التعبير وقد يحرك مياه الرقابة والشفافية الراكدة.
إن الذي يتخذ من الوضع الكويتي شماعةً يُعلق عليها رغبته في سد أي منفذ للمشاركة الشعبية ولو كان كخرم الإبرة، ويود تأجيل الدعوة لانتخابات مجلس الشورى يجب أن يدرك جيداً بأنه يضرب المصداقية في مقتل. ففي الأول من نوفمبر عام 2011 ألقى سمو الأمير خطابه السنوي في افتتاح دور انعقاد مجلس الشورى جاء فيه: "...إني أعلن من على منصة هذا المجلس أننا قررنا أن تجري انتخابات مجلس الشورى في النصف الثاني من العام 2013. نحن نعلم أن هذه الخطوات كلها خطوات ضرورية لبناء دولة قطر الحديثة والإنسان القطري القادر على خوض تحديات العصر وبناء الوطن. ونحن على ثقة أنكم ستكونون على قدر المسؤولية".
إن الدعوة لإبقاء الحال على ما هو عليه وعدم الثقة بالشعب لا شك بأنه يخالف قناعات سمو الأمير التي عبر عنها في هذا الخطاب، وفي خطابات عديدة ذكرنا بعضها في المقال السابق، ونذكر هنا كلمة سموه قبل أيام قليلة مضت في افتتاح منتدى الدوحة ومؤتمر إثراء المستقبل بتاريخ (20 مايو 2013) والتي جاء فيها: "...إنني على يقين بأن من يرفض الإصلاح والتغيير ولا يستوعب حقائق العصر ومتطلبات المجتمعات الحديثة سوف تغيره ضرورات التاريخ ومسيرة الزمن...".، وكأن كلمة سموه جاءت رداً على هؤلاء.
ومن جانب آخر لا يمكن أن يكون عدم استكمال التشريعات الخاصة بمجلس الشورى سبباً في تأخر إجراء الانتخابات إلى الآن. ذلك أن الصحف المحلية زفت لنا قبل عام من الآن وبالتحديد في تاريخ 7 يونيو 2012 موافقة مجلس الوزراء الموقر في اجتماعه الأسبوعي على اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستصدار مشروع قانون بنظام انتخاب أعضاء مجلس الشورى، بعد أن وافق مجلس الشورى عليه قبل أربع سنوات من تاريخ رفعه إليه! (أي بتاريخ 19 مايو 2008) في هذا الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 6 يونيو 2012 تمت الموافقة أيضاً على مشروع مرسوم بتحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشورى وبيان مناطق كل دائرة وعدد الأعضاء الذين يتم انتخابهم عن كل منها، والموافقة على مشروع قرار أميري بشأن إنشاء وتشكيل لجنة تحديد العنوان الدائم للناخب وتحديد اختصاصاتها والإجراءات التي تتبع أمامها، وأخيراً الموافقة على مشروع قرار وزير الداخلية بنظام الاقتراع بسفارات الدولة بالخارج لانتخاب أعضاء مجلس الشورى. جميع مشروعات الأدوات التشريعية السابقة والمرتبطة بانتخابات مجلس الشورى قد استكملت وأعلن عن الموافقة عليها قبل عام من الآن فلم تبق حجة أو سبباً لتأجيل الانتخابات أو للتمديد للمجلس المعين!
والله من وراء القصد.
شكر الله سعيك في هذا المقال الجريء، ولكن لدي استفسار بسيط..! من الذي يثير الحالة الكويتية ..! ولدي استفسار أيضاً، دكتور، هل كنت من لجنة إعداد الدستور..! وإذا لم تكن الإجابة بنعم، إذاً فلماذا..! نحن كلنا مع قانون الانتخاب ونظامه، بل نحن نريد أن يكون المجلس بالكامل منتخب، ولكي أكون أكثر صراحة، أبي هو عضو مجلس الشورى، وأنا أرفض أن يستمر فيه، وذلك أنه يجب أن يترك فرصة هو وزملائه للشباب الواعد، الشباب الأكاديمي المنهجي.. وفقك الله أستاذي، وأنا أحب الدكتور الذي يعمل بإخلاص لا يكتب لمرضاة حاكم أو مسئول في المنطقة..
ردحذفتقبّل تحياتي