الخميس، 1 مارس 2012

الاستفتاء كأسلوب لشرعنة الاستبداد

الاستفتاء كأسلوب لشرعنة الاستبداد
2012-02-28


يعد الاستفتاء أحد وسائل الديمقراطية شبه المباشرة حيث يتم الرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه في موضوع عام أو قضية هامة كاعتماد دستور للدولة أو الموافقة على تعديل بعض نصوصه أو للانضمام إلى اتفاقية معينة، أو انفصال إقليم ما عن الدولة، أو حصول إقليم على استقلال ذاتي، وهكذا.
والرجوع إلى الشعب لأخذ رأيه في قضية ما هو تأكيد على مبدأ سيادة الشعب لذا يفترض ابتداءً أن يمارس الاستفتاء في دولة يكون الشعب فيها مصدر السلطات، ويتداول فيها الحكم والوصول إلى مؤسسات صنع القرار السياسي سلمياً ودورياً عبر آلية الانتخابات الحرة والنزيهة. فالاستفتاء لا يمكن أن يكون فعالاً أو منتجاً في دول ذات أنظمة ملكية مطلقة، أو في أنظمة دكتاتورية انتزعت الحكم من الشعب بالغلبة والقهر.
وفي أنظمتنا العربية الملكية أو الدكتاتورية تجرى الاستفتاءات في الغالب إما لاختيار رئيس الجمهورية أو للتمديد لفترة رئاسته ومنحه ولاية جديدة أو لاعتماد مشروع دستور جديد أو تعديل مواد دستور قائم. وفي جميع الحالات أي سواء ارتبط الاستفتاء بالدستور أو باختيار الرئيس أو التجديد له، فإن الأمر في جوهره لا يخرج عن كونه وسيله لتعميق الاستبداد والانفراد بالسلطة. ففي جمهورية مصر العربية على سبيل المثال جدد للرئيس السابق حسني مبارك لولاية جديدة في استفتاء 1987، ثم جدد له ثانية في استفتاء 1993، ثم جدد له لولاية ثالثة في عام 1999، ثم للمرة الرابعة عام 2005، ولولا الثورة التي اضطرته للتنحي عن الحكم لظل متشبثاً به ولأسفر الاستفتاء عن التجديد له لولاية خامسة في 2011. كما أن الاستفتاءات التي تمت في مصر عام 2005 وعام 2007 لتعديل أكثر من 34 مادة دستورية ومنها المادة (76) كان الهدف منها استمرار حكم مبارك وتوريثه لنجله جمال كما يذهب الكثير من المعنيين.
وبعيداً عن الاستفتاءات الخاصة بالرئاسة أو بتمديد الولاية والتي يفترض إلا تقام في حقيقة الأمر إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة، تتصف بالمساواة في حق الترشح للرئاسة بين المواطنين دون تحديد شروط إقصائية أو مفصلة لتناسب شخصاً بعينه. فإن الاستفتاء على مشروع دستور أو تعديل بعض مواد الدستور لا يقل عنه خطورةً ولا يخلو من الانتقاد، لاسيَّما إن كان المشروع المستفتي عليه قد وضع عن طريق لجنة معينة من قبل الحاكم كما كان حال مشروع الدستور السوري 2012، ومشروع تعديل مواد الدستوري المغربي 2011 ومشروع الدستوري القطري 2003.
وتكمن خطورة الاستفتاء في أن نتيجته تعتمد على من قام بالتصويت فعلاً. فلو صوت على سبيل المثال مائة ألف وقاطع مليون مواطن الاستفتاء لعدم ثقتهم بالنظام، فيعتد بالاستفتاء رغم كونه لا يشكل في حقيقة الأمر إرادة الشعب. ولم يسجل التاريخ يوماً بأن هناك استفتاءً في الوطن العربي على الرئاسة أو على دستور أسفر عن نتيجة مغايرة لرغبة الحكام.
ونرى لكي يكون الاستفتاء على مشروع دستور مثمراً أن يبنى على عدة أسس: منها: أن يوضع مشروع الدستور ابتداءً من خلال مجلس تأسيسي أو جمعية تأسيسية منتخبة بانتخابات حرة ونزيهة ومحاطة بكافة ضمانات عدم تزييف إرادة الشعب. ومنها: أن يتاح للشعب معرفة ما يدار في اجتماعات الجمعية التأسيسية من مناقشات فتكون الجلسات علنية ويتاح للصحف والإعلام نشر ما يجرى بين الأعضاء بشأن مشروع الدستور. ثم بعد أن يتم إنجاز مشروع الدستور أن تتاح للمواطنين فرصة كافية لفهم محتواه قبل إجراء الاستفتاء عليه. ثم إن تُكفل الممارسة الفعلية لحرية التعبير وحرية الاجتماعات العامة وحرية الإعلام وحرية التنظيم في هذه الدولة، وهذه حريات اساسية لتناول مشروع الدستور بموضوعية فيكوّن المواطن رأيه ويبلور فكره بشأنه وهو ذاهب إلى مقر الاستفتاء. ثم إن يكون الإعلام الرسمي بعيداً عن الاستفتاء، فلا يوجه المواطنين إلى تأييد مشروع الدستور، أو إلى رفضه، وإن كانت هناك برامج بشأنه فيجب أن تكون موضوعية ومحايدة. وأخيراً: يجب ضمان استقلالية اللجنة المشرفة على الاستفتاء، وأن يتسم إشرافها وإدارتها للاستفتاء في جميع مراحله بالحياد والشفافية والمساواة.
ونرى أنه من دون هذه الأسس فإن الاستفتاء يكون مجرد وسيلة في أيدي الطغاة لإضفاء شرعية زائفة لطغيانهم واستبدادهم. والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa