الاثنين، 25 أبريل 2011

دساتير في دول ذات أنظمة غير دستورية

دساتير في دول ذات أنظمة غير دستورية
2011-04-26


لكي تكون الدولة ذات نظام دستوري لا يكفي أن يكون لها وثيقة دستورية تضم مبادئ أساسية تنظم الحكم والسلطات العامة فيها وتؤكد على كفالة الحقوق والحريات لمواطنيها، وتزعم أن نظامها ديموقراطي وأن الشعب مصدر السلطات، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات العامة، بل ينبغي أولاً: أن تنبع هذه المبادئ والقواعد من ضمير الشعب، وأن تكتب بأيدي الشعب، وأن تعتمد بموافقة الشعب، وثانياً: أن يؤمن العاملون على تنفيذها بقدسيتها وبوجوب احترامها، بما يضمن تطبيقها في الواقع العملي، ولا خلاف بعد ذلك إن جاءت هذه المبادئ والقواعد في وثيقة رسمية تسمى "الدستور" أو كانت مجرد قواعد عرفية تشكلت عبر الزمان، فدولة كبريطانيا ليست لديها وثيقة رسمية تسمى دستور، ولكن لا ينكر أحد من رجال القانون والسياسة أنها دولة ذات نظام دستوري.
أما الدول ذات الأنظمة غير الدستورية، فهي على ثلاث صور: فإما دولة ليست لديها وثيقة دستورية، ولا تعرف إلا الحكم المطلق، أو دولة لديها وثيقة دستورية ولكن هذه الأخيرة وضعت لتكرس الاستبداد والانفراد في الحكم دون مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي، أو دولة لديها وثيقة دستورية تحتوي نصوصاً ومبادئ استقت من أفضل الممارسات الديموقراطية في العالم، ولكن هذه النصوص مجرد مواد خاوية، فارغة من معناها، لم يساهم الشعب في وضعها، ولم يؤمن الحاكم بقدسيتها، ولم يدرك أهمية معناها، بل هي نصوص اقتبست من هنا وهناك، وزينت بها صفحات الوثيقة للتجميل الخارجي مع بقاء الداخل سقيماً مريضاً، وعند أول تعارض بين مصالح الحاكم وبين هذه النصوص الدستورية تستبدل أو تعدل أو تهجر أو تعطل.
فوجود الوثائق الدستورية في دول الحكم المطلق لا تحول أنظمتها إلى أنظمة دستورية، لذا، وفي خضم الثورات العربية لم يلق المجتمع الدولي ولا الشعوب الثائرة أهميةً لتصريح سيف الإسلام بن القذافي بأن "ليبيا لن تعود كما كانت وأن عصر الجماهيرية الأولى ولّى وأن الدستور الجديد لليبيا جاهز". أو إعلان علي عبد الله صالح "تمسكه بالدستور اليمني للوصول إلى تسوية للأزمة"، أو قبل هذا وذلك بيان مبارك عدم حل مجلس الشعب المصري وأهمية إبقائه لاشتراط الدستور وجوده عند إجراء أي تعديل على مواده.
إن إصدار دولة ما وثيقةً دستوريةً لها، أمر مهم وله فوائده، ولكن الأكثر أهمية وفائدة أن يتمتع أفراد الشعب بالمواطنة الحقيقية والتي تقتضي كفالة حقوقهم وحرياتهم على قدم المساواة بينهم جميعاً، وأن يكونوا أصحاب القرار دون وصايةٍ عليهم من أحد، فلم يكونوا يوماً غير مميزين أو قاصرين سياسياً أو ذوي عتهٍ أو جنون لا يصلحون للمساهمة في تصريف شؤون البلاد والحكم.
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

الاثنين، 18 أبريل 2011

تقرير المنجزات والخطة السنوية للدولة

تقرير المنجزات والخطة السنوية للدولة
2011-04-19


تنص الفقرة (11) من المادة (121) من الدستور الدائم لدولة قطر على اختصاص مجلس الوزراء بـ"إعداد تقرير في أول كل سنة مالية، يتضمن عرضاً تفصيلياً للأعمال الهامة التي أنجزت داخلياً وخارجياً، مقروناً بخطة ترسم أفضل الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الشاملة للدولة وتوفير أسباب تقدمها ورخائها، وتثبت أمنها واستقرارها، وفقاً للمبادئ الجوهرية الموجهة لسياسة الدولة المنصوص عليها في هذا الدستور، ويرفع التقرير للأمير لإقراره". ونص هذه الفقرة يتماثل تماماً مع الفقرة (12) من المادة (34) من النظام الأساسي المؤقت المعدل (دستورنا السابق 1972). كما أن لهذا النص أصلا تاريخيا في أول دستور مكتوب للدولة وهو نص الفقرة (9) من المادة (37) من النظام الأساسي المؤقت (1970).
وعودة لهذا التقرير، نجد أن مجلس الوزراء يجب أن يقوم بإعداده في أول كل سنة مالية، أي في الأول من أبريل من كل عام، وقد مرت قبل أيام محدودة بداية السنة المالية لدولة قطر، ولا أدري! هل أعد هذا التقرير أو لم يعد؟ كما أنني لا أذكر أني قرأت يوماً في الصحف المحلية خبراً يتعلق بهذا التقرير، لا في هذه السنة ولا في السنوات السابقة، لاسيما وأن هذا النص متوارث عن دساتيرنا السابقة، وليس أمراً مستحدثاً جاء به الدستور الدائم للدولة. وإذا كان هذا النص مفعل فعلاً، فيجب أن يكون لدينا في الأرشيف التاريخي لدولة قطر أكثر من أربعين تقريراً حتى الآن! هذا إن قلنا إن المشرع الدستوري أوجب على مجلس الوزراء بإعداد مثل هذا التقرير منذ عام 1970.
ولا أعتقد إن مثل هذا التقرير ينبغي أن يكون سرياً، لا يطلع عليه أحد من المواطنين، بل على العكس يدفعنا كل من: مبدأ الشفافية ومبدأ المصداقية إلى الإعلان عنه ونشره حتى يلاحظ الرأي العام على الأقل مدى سير الحكومة عليه. كما أن تعلق هذا التقرير بالدولة وتحقيق نهضتها الشاملة، وأسباب تقدمها ورخائها يفرض على الحكومة أن تعلن عنه وتكشفه للملأ. فنهضة الدولة وتقدمها أمر يهم الجميع، والمواطنون شركاء حقيقيون، وتفترض الحكمة ألا يستبعدوا حتى تأتي الخطة ثمارها. هذا إلا إذا كان هذا النص مجرد نص لا يترجم مضمونه في الواقع العملي، مثل نصوص عديدة في الدستور، كتبت ولم تفعل إلى الآن!.
على أي حال، فبالعودة إلى نص الفقرة (11) من المادة (121) من الدستور، نجد أن هذا التقرير ينقسم إلى قسمين رئيسيين: أحدهما يتعلق بالماضي، ويتمثل في عرض الأعمال الهامة التي أنجزت داخلياً وخارجياً، وهذا العرض يشترط أن يكون تفصيلياً. أما القسم الثاني من التقرير فيتعلق بالمستقبل القريب المحدد بمدة سنة واحدة، ويتضمن هذا القسم الخطة التي ترسم أفضل الوسائل الكفيلة بتحقيق النهضة الشاملة للدولة وتوفير أسباب تقدمها ورخائها وتثبيت أمنها واستقرارها. وهذا القسم من التقرير لا شك بأنه سيكون ماضيا عند إعداد التقرير في السنة اللاحقة، وسوف تشكل المنجزات التي تحققت وفقاً له القسم الأول من التقرير للسنة القادمة، وهكذا، وبتتابع في كل سنة.
وأخيراً، يشترط الدستور في الخطة التي توضع في هذا التقرير أن تكون وفقاً "للمبادئ الجوهرية الموجهة لسياسة الدولة المنصوص عليها في هذا الدستور". ولكن بالعودة إلى الدستور الدائم لا نجد أية إشارة لهذه المبادئ الجوهرية، فهذه الأخيرة كانت بالفعل موجودة في النظام الاساسي المؤقت (دستور 1970) ، وفي النظام الأساسي المؤقت المعدل (دستور 1972)، وكانت تأتي في الباب الثاني منهما وتشتمل على: المبادئ السياسية، والمبادئ الاقتصادية، والمبادئ الاجتماعية، والمبادئ الثقافية. أما دستورنا الحالي فأستعيض عنها بباب " المقومات الأساسية للمجتمع"، فهل نقل واضعو دستورنا الحالي هذا النص من النظام الأساسي المؤقت "حرفياً" دون أن يتحملوا حتى عبء إعادة صياغته ليتفق ما يتضمنه الدستور حقيقةً ؟. أم إنه دليل آخر على عدم الجدية في تنفيذ نصوص الدستور؟
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

أعضاء مجلس الشورى ما قصرتوا و حان توديعكم..!! للكاتبة مريم آل سعد



(أعضاء مجلس الشورى ما قصرتوا و حان توديعكم..!!)

مقال للكاتبة القطرية مريم آل سعد، منعت جريدة العرب نشره بالأمس 17 ابريل 2011

يعكف الدكتور حسن السيد على إصدار سلسلة من المقالات التثقيفية بالدستور، من خلال زاويته بجريدة الشرق، و كونه أستاذا بالقانون و مهتما حتى النخاع بالدستور، تبقى مقالاته ممتعة و ذات فائدة.
من بين المقارنات التي ساقها الدكتور السيد بين مجالس الشورى في مجلس التعاون نكتشف بأن مجلسنا الموقر أضعفها اختصاصا، حيث يوضح بأن المجلس السعودي عليه تغيير نصف الأعضاء على الأقل بعد أربع سنوات من تعيينهم، و لا يجيز الجمع بين عضوية المجلس و أية وظيفة حكومية أو مجلس إدارة أو شركة، كما أن للمجلس السعودي دورا تشريعيا يتمثل في اقتراح مشروع أي قانون جديد أو تعديل آخر مطبق، و له دورا بدراسة مشروعات المعاهدات و الاتفاقيات الدولية و اتخاذ القرارات بشأنها.
كما أن دوره التشريعي بمناقشة مشروعات القوانين و دراستها ينتهي بقرارات ترفع إلى مجلس الوزراء، فإذا اتفقت الرؤيتين تم رفعها للملك ليتم تصديقها، و إلا تعاد مرة أخرى إلى مجلس الشورى لربما يقتنع بملاحظات مجلس الوزراء، و سواء اقتنع أو احتفظ برأيه فأنها ترفع بعد ذلك للملك ليعطي الكلمة الأخيرة.
و أما مجلس الشورى العماني الذي تأسس بعد عشرين سنة من القطري فأنه يتطور بأسرع منه، و لا تتوقف التعديلات طوال طريق مسيرته، فمن نظام شبه تعيين إلى فتح باب الترشيح و الانتخاب للمرأة، و جعل أصوات الناخبين المفتاح الوحيد لدخول المجلس، و تطبيق الانتخاب العام السري المباشر.
و يملك مجلس الشورى العماني تقديم ما يرى من شأنه تطوير القوانين، كما أنه يطلع على كامل الموازنة العامة قبل اعتمادها و مناقشة مشروعات القوانين و دراستها.
إلا أن القطري كما نعلم جميعا لا يحق له اقتراح أو تعديل أي قانون و يعتبر ذلك من اختصاص الحكومة فقط، و يتوقف عند تقديم توصياته الغير ملزمة، و يتم إبلاغه بشأن المعاهدات التي تعقدها الدولة دون أن يملك خاصية دراستها أو حق أبداء رأيه بشأنها، علما بأنه لم يتم تفعيل المحكمة الدستورية للآن و التي تختص بتفسير القوانين، كما أنه لا يطلع على ميزانية المشروعات و يناقشها.
أن من مميزات رجال قطر الصمت و التواري و الهدوء حتى يظن المرء بأن البلاد خالية منهم، مما كرس إحباطهم و عزز عزلتهم، ربما لعزة أنفسهم من التزاحم لإثبات وجودهم و إظهار أفكارهم التي لا تتناقض مع السلطة كونهما يتطلعان معا للصالح العام المكون منهما المواطن و الحكومة، و أن ارتفعت أصواتهم هنا وهناك بين الفينة و الأخرى و ذلك حسب ظروف النشر الممسوحة لهم، لعدم وجود المنابر الطبيعية للتعبير.
لا يلومنا أحد إذا التفتنا فلم نجد إلا خواء، و حكمنا على الساحة القطرية بناء على ذلك، و لا أحد يلوم أيضا رجال قطر و مثقفيها و أحرارها على صمتهم و ابتعادهم عن الضجيج، فالظروف العامة معروفة و لا تسمح بالحوار النقي و المشاركة الايجابية.
في ضوء كل ما سبق فأننا ندعو إلى تشجيع و دعم جمعيات المجتمع المدني، و إلى الإعداد لظهور مجلس الشورى المنتخب، ليس فحسب بتنظيم لجان الانتخابات و أسلوبها و آلياتها بل بفرض الأهم، و هو تفعيل الحياة الانتخابية في المجتمع، و بث الحماس فيها و تجديدها، و إعادة الثقة بنوايا الحكومة و رغبتها بتحقيق الديمقراطية و تكريس نهجها.
ندعو سمو الأمير المفدى إلى تغيير الثوب البرلماني بتوديع أعضاء مجلس الشورى الحاليين، و ما قصروا و أدوا واجبهم على أحسن وجه مسايرا المرحلة التي أتوا منها، لكننا في الوقت الحالي نعيش مرحلة أخرى متدفقة حماسية عليها ألا تخيف الحكومة لأن المجلس بالتعيين أساسا و لكنها ضرورية لإعداده للمرحلة القادمة التي يواجه بها رأي الشارع، و يكون مستعدا له لا ضامنا خططه و أسلوبه غير هيابا إلا من السلطة السياسية وحدها التي عينته و تحاسبه، بل عليه أن يمثل له وجوده كعضو مجلس شورى هاجسا و امتحانا و مسائلة من قبل الشعب.
أملنا في سمو الأمير كبيرا لمناداته و أيمانه الشخصي بالديمقراطية ليتبناها و ذلك بتغيير الوجوه في المجلس الحالي، و تنقيحه بنماذج من الشباب المتحمس الذي يحمل أفكارا و رؤى من شأنها تحريك و دفع أداء الحكومة و تنشيطه.
من الأسماء المرشحة الدكتور علي الكواري و الدكتور حسن السيد لما يحملانه من فكر و تجربة و مراقبة و معايشة بمراحل هذا المجتمع، و حفظ الله قطر و الأمير والشعب.

من أيّ الملكيات نحن؟

من أيّ الملكيات نحن؟
2011-04-12


الدولة الملكية هي التي يتم اختيار رئيس الدولة فيها بأسلوب الوراثة، وبغض النظر عن المسميات، فقد تسمى مملكة، أو سلطنة، أو إمارة، أو إمبراطورية، أو دولة. وكانت أغلب الدول قبل قيام الثورة الفرنسية ذات أنظمة ملكية، وكذلك كانت أغلب الدول العربية قبل موجة انقلابات العسكر في العقود الوسطى من القرن الماضي. وليس للنظام الملكي ارتباط بتقدم الدول أو تأخرها، فقارة كأوروبا مثلا بها اليوم أكثر الدول ذات الأنظمة الملكية في العالم، في حين ليس في إفريقيا إلا دول محدودة.
وتتنوع الدولة الملكية إلى ملكية مطلقة وملكية مقيدة وملكية دستورية.
+وتصنيف الدولة الملكية وفقاً لإحدى هذه التسميات يعود بالدرجة الأولى إلى مدى تمتع الملك بالسلطة أو حرمانه منها أو مشاركته أبناء شعبه إياها.
ففي الملكية المطلقة ينفرد الحاكم بالسلطة، وإليه ترجع الكلمة الأخيرة في اتخاذ القرار ويكون الشعب مستبعداً نهائياً عن شؤون السياسة، فتسن التشريعات دون مشاركته، وتبرم الاتفاقيات دون موافقته، وتمنح الامتيازات دون معرفته، وتقاس وطنية الأفراد بدرجة طاعتهم وانصياعهم لأوامر الحاكم وولائهم له. في هذا النوع من الملكيات يبقى الحاكم رغم اختصاصاته الواسعة ذا قدسية، فذاته مصونة لا تمس، ولا تمكن مساءلته عن أي خطأ سياسي يرتكبه. وتغلب فيها مصلحة الحاكم وأسرته وبطانته، على مصالح العامة، وتنتهك فيها المساواة، وقد يساء فيها استعمال السلطة وينحرف بالقانون ويطوع ويفسر وفقاً للأهواء والمطامع.
وتبقى الدولة ذات نظام ملكي مطلق وإن تعددت الأجهزة والسلطات بها، فهذه الأخيرة تكون مجرد أجهزة شكلية من الجانب السياسي، وتقوم بدور إداري وتنظيمي وفقاً لتشريعات انفرد الحاكم بوضعها، ولا يحق لهذه الأجهزة أن تخالف توجيهاته، أو تعمل ضد مصلحته. ولا يوجد في هذا النوع من الملكيات برلمان منتخب، إنما مجلس معين يقدم توصيات غير ملزمة في العادة. أما الحكومة فهي كذلك معينة من الحاكم ومسؤولة أمامه، وهو يملك إقالتها.
أما الملكية المقيدة فهي مرحلة تعقب في العادة مرحلة الملكية المطلقة، حيث تتقلص شيئاً ما سلطات الحاكم وتقيد اختصاصاته لصالح الشعب. وتاريخياً نشأت هذه الملكية في بريطانيا عند القضاء على حكم آل ستيوارت (The House of Stuart)، في الثورة المجيدة (Glorious Revolution)، عام 1688، وإقامة حكم أسرة أورانج الذي قيد بوثيقة الحقوق (Bill of Rights)، في عام 1689. في الملكية المقيدة لا يزال الحاكم يتمتع بالكثير من الصلاحيات، فله دور أساسي في سن التشريعات، وفي تعيين الوزراء وإعفائهم من مناصبهم ومسؤولية هؤلاء أمامه، وحقه في حل البرلمان. ولكن بجوار هذه الصلاحيات يوجد برلمان منتخب بالكامل من قبل الشعب، يشترك مع الحاكم في سن التشريعات ويسأل الوزراء ويسحب الثقة منهم ومن الحكومة، ويقر الموازنة العامة ويعتمد الحساب الختامي للدولة.
أما الملكية الدستورية (Constitutional Monarchy) ففيها تتقلص سلطات الحاكم أكثر فأكثر لصالح الشعب، حتى لا تبقى له إلا اختصاصات شرفية، أما السيادة فتكون للشعب فهو مصدر السلطات يمارسها من خلال برلمان منتخب، ورئيس حكومة منتخب، هو في الغالب زعيم الأغلبية، يكون هو وأعضاء حكومته مسؤولين أما البرلمان.
هذا، والله من وراء القصد.

مقارنات: مجلس الشورى العماني

مقارنات: مجلس الشورى العماني
2011-04-05


رغم أن سلطنة عمان قد أنشأت مجلس الشورى في عام 1991، أي بعد عشرين سنة من إنشاء مجلس الشورى القطري، إلا أن المتتبع لمسيرة هذا المجلس يشعر بصدق النية نحو تطويره تدريجياً. إذ لا يكاد ينتهي فصل من عمر المجلس إلا وأدخل على نظامه تعديلاً يهدف إلى تحقيق ذلك.
يد التطوير التي لامست مجلس الشورى العماني تتضح بجلاء من خلال إلقاء الضوء على تطور أسلوب اختيار أعضاء المجلس. فمن نظام شبيه بالتعيين يتمثل في اختيار أعضاء المجلس عن طريق ترشيح الشيوخ والأعيان لهم عام 1991، إلى زيادة عدد الأعضاء والعمل بقاعدة عضوين لكل ولاية يزيد عدد مواطنيها على ثلاثين ألف نسمة عام 1994، إلى فتح الباب أمام المرأة للترشيح والانتخاب كأول دولة خليجية تجيز للمرأة ممارسة حقوقها السياسية عام 1997، إلى جعل أصوات الناخبين المعيار الوحيد للفوز بعضوية المجلس عام 2000، إلى الأخذ بأسلوب الانتخاب العام السري المباشر عام 2003.
إن أهمية الانتخابات عموماً كأسلوب لاختيار الأعضاء تكمن في ما تبثه في نفوس هؤلاء من قوة وطاقة، وهم يستشعرون بأنهم ممثلو الشعب فينعكس ذلك على أدائهم، ويصبحون شخصيات غير نمطية تسعى إلى الإصلاح وتطالب بالمزيد من الصلاحيات، هذا على خلاف الأعضاء المعينين الذين تنكسر نفوسهم وشخصياتهم أمام من يدينون له بالفضل، فلولاه لما أصبحوا أعضاء في المجلس، واستمرارهم فيه مرتهن برضاه عنهم، فلا تكون لهم مطالبات إصلاحية، وإن كانت لهم، فتقدم على استحياء.
وعندما نتكلم عن سمو نفوس الأعضاء المنتخبين هنا، نتكلم عن أولئك الذين يمثلون الإرادة الحقيقية للشعب، وليس من انتهك القانون وباع الأمة قبل وصوله للمجلس، إذ ليس من المستغرب أن يبيعها، هذا، ثانية بعد وصوله إلى أحد مقاعد المجلس.
هذه الصورة المشرقة ليد التطوير التي لامست أسلوب اختيار أعضاء مجلس الشورى العماني، للأسف الشديد، لم تجارها اليد الأخرى لتطوير صلاحيات هذا المجلس نحو العمل البرلماني الحقيقي.
ورغم ذلك نجد مجالات أخرى للمقارنة بين مجلس الشورى العماني ومجلس الشورى في دولة قطر، قد يفتقدها هذا الأخير. أحدها على سبيل المثال، تخصيص مجلس الوزراء في سلطنة عمان لاجتماع سنوي يحضره رئيس وأعضاء مكتب مجلس الشورى وذلك بغرض متابعة مجالات التنسيق بين الحكومة من جهة والمجلس من جهة أخرى. وثانيها، أن مجلس الشورى العماني وإن كان لا يملك حق اقتراح القوانين ابتداء، إلا أنه يملك تقديم ما يراه بشأن تطوير القوانين النافذة في السلطنة. ثالثها، أن مجلس الشورى يطّلع على كامل مشروع الموازنة العامة قبل اتخاذ إجراءات اعتمادها، وليس فقط موازنة المشروعات الرئيسية.
إن هذه المقارنات تؤدي للأسف الشديد إلى تصنيف مجلس الشورى القطري الحالي المعين في درجة أدنى من مجلس الشورى العماني، رغم تواضع دور هذا الأخير، كما أن المقارنة السابقة مع مجلس الشورى السعودي أظهرت تفوق هذا الأخير علينا كذلك، فمتى نفعل المواد المؤجلة من الدستور الدائم؟ ونتجنب قعر القائمة!
هذا، والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa

الأحد، 3 أبريل 2011

تطلع المرأة لمنصب القضاء بقلم الدكتور محمد عبدالهادي

تطلع المرأة لمنصب القضاء
2011-03-14


في مقالته البناءة تحت عنوان: (تقلد المرأة لمنصب القضاء بين القبول والرفض) بجريدة الشرق، كتب د. حسن عبدالرحيم السيد العميد السابق لكلية القانون – جامعة قطر – بتاريخ 27/11/2007م، أن طالبات نادي كلية القانون بجامعة قطر، نظمن حلقة نقاشية حول تقلد المرأة لمنصب القضاء.
شارك في الحلقة عدد من أساتذة القانون وأساتذة القانون وأساتذة من قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة، كما كان للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة حضور فيها إلى جانب طالبات الكلية، وقد وجهت الدعوة كذلك للمجلس الأعلى للقضاة لكنهم اعتذروا.
استعرض أساتذة قسم الفقه والأصول في كلية الشريعة آراء الفقهاء السابقين وفندوا التحليلات التي سردوها وفرجوا بتبني الرأي الذي يجيز المرأة للقضاء (الأحناف وابن جرير الطبري والظاهرية) أما أساتذة القانون فلم يجدوا في نصوص الدستور أو القانون ما يمنع المرأة من تقليد القضاء، فقانون السلطة القضائية لم يجعل الجنس شرطا للتعيين في هذا المنصب.
أشار أحد المشاركين إلى أن العائق أمام دخول المرأة للسلطة القضائية ليس قانونيا بل نفسيا، فأصحاب القرار في المجلس الأعلى للقضاء لم يهيئوا نفسيا بعد لتقبل هذه الفكرة.
لذا لابد من تدخل القيادة لإزالة هذا العائق النفسي وتوجيه المجلس الأعلى للقضاء بقبول المتقدمات لهذه الوظيفة من النساء، ولا ريب بأن هذا الأمر لا يعد تدخلا في أعمال القضاء واستقلاله لأنه أمر عام مجرد لا يقصد به تعيين امرأة ما بذاتها، كما أن التعيين يسير وفقاً للمعايير والشروط الموضوعة مسبقاً، والمنصوص عليها في قانون السلطة القضائية.
أما الرأي الذي يذهب أن المرأة عاطفية بطبيعتها، لذا لا تصلح للقضاء، قوبل برأي مضاد، يرى أن الرجل يغلب عليه القسوة والغضب، لذا لا يصلح للقضاء أيضاً.
وكنا نتمنى – كما تمنى الدكتور حسن السيد – لو أجريت دراسة في الدول التي سبقتنا في تعيين المرأة في القضاء كالعراق والأردن والسودان والمغرب، تفحص فيها الأحكام التي صدرت عن القضاة من النساء وتكشف مدى قوتها أو ضعفها وتأثرها بالعاطفة، كما يقال، وهل تمت مخالفة حكمها عند الاستئناف، أم تم تأييده، ومدى ضعف قضائها مقارنة بزملائها من الرجال أم أن هذا الأمر أكثر سوءا عند الرجال.
أشار أحد المشاركين إلى ضرورة عدم زج المرأة زجاً في هذا المنصب، ذلك أن تعيين المرأة في المحاكم المتقدمة دون تدرجها في المنصب واكتسابها الخبرات، كما حدث في إحدى الدول المجاورة إذ تم تعيين قاضية في المحكمة الدستورية مباشرة، فكأن الأمر فقط لكي نظهر للعالم بأن هناك امرأة تولت القضاء، وهذا الأمر خطر على العدالة، بل المطلوب – كما يرى الدكتور حسن – التدرج فيسمح بتعيين المرأة كمساعد قضائي أولا ثم قاضٍ في المحكمة الابتدائية، ثم في الاستئناف، إلى أن تصل مع سنوات الخبرة إلى التمييز، فتطبق عليها القواعد ذاتها والشروط الخاصة بتعيينها والترقية والأقدمية المكررة بالمواد (27) و(28) و(29) من قانون السلطة القضائية تماماً كالرجل.
والله من وراء القصد.

مقارنات: مجلس الشورى السعودي

مقارنات: مجلس الشورى السعودي
2011-03-29


مر مجلس الشورى السعودي بعدة مراحل ابتداء من تأسيسه عام 1924 في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والذي كان يطلق عليه المجلس الأهلي الشوري، ومروراً بعام 1953 السنة التي بدأ بها دور هذا المجلس يضعف ويتقلص بسبب توزيع العديد من اختصاصاته على أول مجلس للوزراء ينشأ في المملكة، وانتقالاً إلى عهد الملك فهد بن عبدالعزيز الذي شهدت عصره عام 1992 قفزة دستورية كبيرة بصدور عدد من الأنظمة الأساسية الهامة ومنها النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الوزراء، ونظام مجلس الشورى.
مجلس الشورى السعودي يتألف اليوم من مائة وخمسين عضواً يتم تعيينهم بالكامل من قبل الملك، ويلتزم الملك عند اختيار هؤلاء أن يكونوا من أهل العلم والخبرة والاختصاص. وعلى خلاف مجلس الشورى القطري ذهبت المادة (13) من نظام مجلس الشورى السعودي إلى تأقيت عضوية الأعضاء بمدة أربع سنوات، وحتى لا يتم تعيين ذات الشخصيات نصت المادة بأنه يجب أن يتم تغيير نصف عدد الأعضاء على الأقل عند انتهاء هذه المدة. وبالرغم من كون هذا المجلس غير منتخب، وبالتالي لا يمثل حقيقةً إرادة الشعب، إلا أن مسألة تأقيت العضوية لها اهميتها في ضخ دماء جديدة لهذا الكيان، تأتي بحماس المتقلد لمنصبٍ جديدٍ يريد التغيير ويريد إثبات ذاته. كما أن المادة (9) من نظام المجلس لا تجيز كأصل عام الجمع بين عضوية مجلس الشورى وأي وظيفة حكومية أخرى، أو إدارة أي شركة، وهي تجعل الأعضاء متفرغين لأداء دورهم بفاعلية في المجلس.
أما بشأن اختصاصات مجلس الشورى السعودي فإن من أبرزها دوره التشريعي، حيث يؤكد النظام على حق المجلس في اقتراح مشروع أي قانون (نظام) جديد، أو اقتراح تعديل قانون نافذ. وهذا دور للأسف الشديد يفتقده مجلس الشورى القطري الحالي (المعين) إذ أن حق اقتراح مشروعات القوانين يقتصر حالياً على الحكومة في قطر.
وجدير بالذكر أن دور مجلس الشورى السعودي بشأن التشريعات يتجاوز قليلاً الاكتفاء بتقديم توصيات غير ملزمة وهو شأن مجلس الشورى القطري المعين، فعلى خلاف ذلك، نجد مناقشة مشروعات القوانين ودراستها في مجلس الشورى السعودي تنتهي بقرارات ترفع إلى مجلس الوزراء، فإذا اتفقت وجهة نظر مجلس الوزراء مع قرارات مجلس الشورى بشأن هذه المشروعات رفعت للملك لتؤخذ التشريعات دورها في التصديق والإصدار، ولكن إن اختلفت وجهتي النظر يلتزم مجلس الوزراء برد مشروع القانون إلى مجلس الشورى ثانية ليبدي ما يراه بشأنه ثم يرفع للملك، الذي يملك الكلمة الأخيرة في هذا الأمر. وهذا الدور وإن كان يجعل القرار الأخير بيد الملك وليس بيد الشعب، إلا أنه أعطى مجلس الشورى قدراً من الاهتمام والأهمية يتمثل في منحه الفرصة لإبداء رأيه ثانية وبيان سبب تمسكه بالمشروع بالرغم من اختلاف مجلس الوزراء معه في الرأي.
ومن جانب آخر نجد تقدم مجلس الشورى السعودي كذلك بشأن مشروعات المعاهدات والاتفاقيات الدولية، إذ أن له دورا في دراستها واتخاذ قراره بشأنها، وهو أمر لا يتمتع به مجلس الشورى المعين في دولة قطر، إذ تذهب المادة (24) من النظام الأساسي المؤقت المعين (وهي مادة سارية المفعول في الواقع العملي إلى الآن، بالرغم من مرور ست سنوات على إصدار الدستور الدائم)، تذهب هذه المادة إلى مجرد ابلاغ مجلس الشورى بشأن المعاهدات التي تبرمها الدولة، دون أن يكون له دوراً في دراستها أو مناقشتها.
علاوة على ما سبق، يمنح النظام السعودي كذلك مجلس الشورى اختصاص تفسير القوانين، وهو أمر منحه المشرع في دولة قطر للمحكمة الدستورية، التي لم تر النور حتى الآن! بالرغم من فوات أكثر من سنتين على الوقت الذي حدده المشرع لممارسة عملها.
لا شك أن مجلس الشورى السعودي ليس المثال الذي نطمح له نحو الديمقراطية والمشاركة الحقيقية للشعب في اتخاذ القرار وإدارة شؤون الحكم، كما أن اختصاصات مجلس الشورى المنتخب الذي نص عليها الدستور الدائم لدولة قطر بالرغم من شكليتها تفوق تلك التي ينص عليها نظام مجلس الشورى السعودي. إلا أن عدم تفعيل هذه المواد من الدستور القطري إلى الآن، وتطوير السعودية لمجلسها بمنحها المزيد من الصلاحيات، يجعلنا نتساءل عن سبب تعثر مسيرتنا نحو الديمقراطية؟
هذا، والله من وراء القصد.

المسودة: الإطار التشريعي

المسودة: الإطار التشريعي
2011-03-22


في محاولة لإلقاء الضوء على بعض النصوص الواردة في الدستور الدائم لدولة قطر والتي قد تخل بالتوازن النسبي المطلوب بين السلطات العامة في الدولة، تناولنا في الأسبوعين الماضيين الإطار المالي والإطار السياسي والتشريعي لمسودة يمكن دراستها ومراجعتها تحقيقاً لمبدأ جوهري أكد عليه الدستور ويتمثل في أن “ الشعب مصدر السلطات” واليوم نكمل ما بدأناه في الأسبوع الماضي بشأن الإطار التشريعي وذلك ببيان هذه العناصر:
أولاً: يقرر الدستور الدائم لأعضاء مجلس الشورى حق اقتراح القوانين، على خلاف ما ذهب إليه النظام الأساسي المؤقت المعدل الذي كان يقصر هذا الحق على مجلس الوزراء، فله وحده حق اقتراح القوانين. وحسناً فعل الدستور الدائم بتبنيه هذا الأمر، فسن التشريعات في الأساس من أهم اختصاصات البرلمان، ومن غير ذلك يحرم هذا الأخير من آلية المبادرة في سن القوانين. ورغم ذلك نجد المادة (105) من الدستور بعد أن أكدت هذا الحق لمجلس الشورى فرضت وصاية غريبة على الاقتراحات المقدمة من أعضاء مجلس الشورى! إذ اشترطت أحالتها إلى الحكومة لتقوم بدراستها وإعادتها ثانية للمجلس في ذات دور الانعقاد أو في الدور الذي يليه، وهذا أمر فيه من التطويل ما فيه، وتجعل آلية سن التشريع إذا جاء من طرف مجلس الشورى بطيئاً، لذا يقترح إلغاء هذا الإجراء، فالسلطة التنفيذية ينبغي أن يقتصر دورها بشأن القوانين في التصديق والإصدار والنشر في الجريدة الرسمية.
ثانياً: لم يحدد الدستور القطري فترة معينة ينبغي خلالها للسلطة التنفيذية أن تصدق على القانون وأن تصدره بعد رفع مشروعه إليها من مقبل مجلس الشورى، على خلاف العديد من الدساتير التي تحدد فترة زمنية لذلك كأن يكون ثلاثين يوماً على سبيل المثال، فإذا لم يصدر اعتبر القانون حكماً قد صدق عليه وصدر. لذا يقترح إضافة العبارة المحددة لفترة زمنية معينة يصدر خلالها القانون بعد رفع مشروعه إلى الأمير، فالقول بغير ذلك يجعل مشروع القانون الذي وافق عليه الشعب من خلال ممثليه في المجلس في مهب النسيان أو التناسي.
ثالثاً: تجيز المادة (106) من الدستور الدائم لسمو الأمير إيقاف العمل بالقانون الذي وافق على مشروعه مجلس الشورى بأغلبية ثلثي أعضائه بعد رده إليه في المرة الأولى. وهو أمر خطير للغاية إذ يجعل دور مجلس الشورى بشأن سن التشريعات شكلي للغاية، وغير فعال، فما قيمة القانون الذي وافق الشعب على مشروعه من خلال ممثليه في البرلمان، وأصر عليه ثانية بأغلبية كبيرة تتمثل بثلثي أعضاء المجلس، إذا كان بإمكان السلطة التنفيذية إيقافه لضرورة تقدرها هي، دون تحديد لمفهوم الضرورة، كما أن المدة التي يوقف بها العمل بالقانون غير محددة، إذ يمكن أن يوقف العمل به إلى مالا نهاية. لذا ينبغي أن يلغى هذا النص أساساً من الدستور.
رابعاً: عالجت المادة (70) من الدستور القطري مشكلة عدم انعقاد مجلس الشورى وكانت هناك حاجة لإصدار قانون ما، إذ أتاحت لسمو الأمير في الأحوال الاستثنائية التي لا تحتمل التأخير ولا تحتمل الانتظار إلى حين عودة مجلس الشورى، أن يصدر مراسيم لها قوة القانون على أن تعرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الشورى صاحب الاختصاص الأصيل في سن التشريعات عندما ينعقد ثانية في أول اجتماع له. والمادة (70) رغم إدراكها أن مجلس الشورى هو صاحب الاختصاص الجوهري بشأن سن القوانين إلا أنها للأسف أضعفت من هذا الدور، ولنا في ذلك عدة ملاحظات: 1- لم ترتب المادة أي جزاء بشأن هذه المراسيم بقوانين إذا لم تعرض على المجلس أو تعمد عدم عرضها في أول اجتماع، بأن تعتبر كأن لم تكن مثلاً في حال عدم عرضها من قبل الحكومة.
2- اشترطت المادة أغلبية صعبة التحقيق في حالة رفض المجلس لهذه المراسيم بقوانين، وهي أغلبية ثلثي الأعضاء! فالقانون أساساً يتم المرافقة على مشروعه أو رفضه بأغلبية بسيطة هي أغلبية الأعضاء الحاضرين، فكيف يشترط الدستور بشأن المرسوم بقانون أغلبية أكبر، فكأنه بذلك أعطى المراسيم بقوانين قوة أكبر من القوانين، رغم تأكيده بأن لها ذات القوة، وكأننا وقعنا في تناقض هنا! 3- افترضت المادة أنه في حال مرور أربعين يوماً على عرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الشورى دون أن يبدي رأياً فيها، بأن ذلك موافقة ضمنية من طرفه، فكأن الدستور في هذا الأمر اتبع أسلوبين مختلفين لإبداء الرأي في المراسيم بقوانين، فإذا كان رأي المجلس يذهب إلى الموافقة على ما شرّعته السلطة التنفيذية في فترة غيابه فيكتفي بمجرد الصمت، أي حتى الأغلبية البسيطة وهي أغلبية الأعضاء الحاضرين لا تمارس هنا، من أجل إبقاء هذا التشريع، بينما إذا ذهب رأيه إلى رفض المرسوم بقانون أو طلب تعديله فإن الأغلبية تختلف وتصبح أكثر شدة وهي أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
خامساً: جعلت المادة (104) من الدستور اختصاص سن التشريعات في فترة حل مجلس الشورى لسمو الأمير بمعاونة مجلس الوزراء، وفترة حل البرلمان وفقاً لهذه المادة قد تطول لتصل إلى ستة أشهر وربما أطول. هذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر فيه، ذلك أن حل البرلمان يعد في الواقع من ضمن فترات عدم انعقاد المجلس الذي يفترض أن تسري بشأنه الأحكام الخاصة بالمراسيم بقوانين، أي يفترض أن تعرض هذه التشريعات كذلك على مجلس الشورى في أول اجتماع له بعد أن يشكل من جديد ثانية، ليقول رأيه فيها، ولكن المادة (104) للأسف أخرجت حالة حل المجلس من نطاق تلك الأحكام، وجعلت الاختصاص بأكمله للسلطة التنفيذية.
وفي الختام، ينبغي التأكيد بأن السلطة التي تملك سن القانون هي السلطة الأقوى، وأن الدستور القطري حاول أن يوزع اختصاص سن التشريع بين مجلس الشورى والسلطة التنفيذية، إلا أن الدارس لتلك المواد الدستورية يرى بوضوح رجحان كفة السلطة التنفيذية في ذلك مما يعد إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر تحقيق التوازن النسبي بينها من أهم أركانه. ونضيف بأن عدم وجود برلمان منتخب إلى الآن، وعدم تفعيل المحكمة الدستورية تجعل اختصاص سن التشريع بأكمله، نظرياً وعملياً، للسلطة التنفيذية، أي تجعلها تنفرد بالقوة جميعها.

halsayed@qu.edu.qa

المسودة: الإطار السياسي والتشريعي

المسودة: الإطار السياسي والتشريعي
2011-03-15


 في الأسبوع الماضي تطرقنا إلى بعض العناصر التي قد تساهم في المحافظة على المال العام من الهدر أو السرقة أو الضياع، وهي عناصر لم يتعرض لها الدستور القطري الحالي رغم أهميتها في فرض الحماية للمال العام، وفي التأكيد على أن المال "مال الدولة" وليس مال الحاكم أو الحكومة، لذا فإن الصرف والمنح والهبة والعطاء لا يكون إلا "بقانون" و"وفقاً للقانون" الذي هو في أساسه أداة تشريعية يشترك مجلس الشورى في صنعه، وتتوافر فيه الشفافية حيث يناقش تحت قبته، ثم ينشر في الجريدة الرسمية فيعرف الجميع ما هي مخصصات الوزير وما هي مرتبات "الخفير"، وأين تستثمر أموال الدولة أو مع من، ولماذا!، ويُراقب الصرف والإنفاق، ويشترك الشعب في الموافقة على المعاهدات التي تتعلق بأراض الدولة أو التجارة أو التي تُحمل الدولة نفقات لم ترد في الموازنة العامة. ويثق الجميع بأن أملاك الدولة لا يتم التلاعب بها، وأن الأراضي ذات المواقع الإستراتيجية كمنطقة الأبراج، أو على الشواطئ الآخذة أو بين الرياض والواحات أو بعيداً كشقق في العواصم المستقبلة للاستثمارات، لا تذهب كعطايا أو هبات للأقربين أو المقربين.
واليوم أرى بأن الإطار المالي ذو العناصر العشرة الذي ذكرناه سابقاً لا يحقق أهدافه إلا إذا أحيط بإطارين مكملين له، أحدهما سياسي والآخر تشريعي، وهذان الإطاران يتمثلان في عناصر أرى كذلك بأنها تحتاج إلى مراجعة، لذلك أطلقت عليها (المسودة)، آخذاً بعين الاعتبار أيضاً بأن الدستور القطري لا يمكن اقتراح تعديل مواده إلا بعد مضي عشر سنوات من تاريخ العمل به. وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:
أولاً: يقرر الدستور الحالي أغلبية صعبة التحقيق في الواقع العملي لاتخاذ بعض القرارات المهمة من قبل مجلس الشورى كقرار سحب الثقة من الوزير، أو قرار فرض مشروع القانون في حال رفض التصديق عليه!، وهذه الصعوبة تنجم بسبب طريقة تشكيل مجلس الشورى حيث تنص المادة (77) من الدستور الحالي بأن عدد أعضاء مجلس الشورى هو 45 عضواً، يتم اختيار ثلاثين منهم عن طريق الشعب في انتخابات عامة ومباشرة وسرية، أما الخمسة عشر الآخرين فيعينهم الأمير، وهو من يملك إعفاءهم كذلك. فعندما يشترط الدستور لاتخاذ مثل تلك القرارات موافقة ثلثي أعضاء المجلس، فإنه من الصعوبة أن لم يكن من الاستحالة الوصول إلى هذه الأغلبية بسبب إغراق المجلس بالأعضاء المعينين، فخمسة عشر عضواً معيناً في مجلس يتآلف من خمسة وأربعين أمر غير مقبول إذا أردنا تفعيل دوره، واشتراط تلك الأغلبية يجعل دور المجلس شكلي لصعوبة تمكنه من فرض أي قرار لا ينسجم مع إرادة الحكومة، فالثلث المعين مرتبط أدبياً بمن له الفضل في تعينه ومن يملك إعفاءه وتسريحه، لذا يتضامن معه إما تأدباً أو طمعاً في الاستمرار في "برستيج العضوية"، لذا أرى بأن تعدل هذه المادة اما بتقرير أغلبية أبسط كأن تتخذ القرارات بأغلبية أعضاء المجلس، أي (51 %) عوضاً عن الثلثين، أو بزيادة عدد المنتخبين، وتقليص عدد المعينين.
ثانياً: أن يعاد النظر في تبعية بعض المؤسسات والهيئات العامة، التي وفقاً لوضعها الحالي ستكون بعيدة عن الرقابة السياسية لكون الدستور لا يقرر لمجلس الشورى إلا مساءلة الوزراء دون غيرهم، لذا يفترض أن تلحق المؤسسات والهيئات العامة بوزراء يمكن مساءلتهم سياسياً عن أعمال هذه الجهات. ومن جانب آخر، لا يجوز إلحاق أي مؤسسة أو جهة بسمو الأمير مباشرة، عدا تلك التي تعينه بالرأي، لأن ذاته مصونة لا تمس، ولأن تبعية هذه الجهات بسموه يجعلها محصنة عن الرقابة السياسية. وهذا الأمر يفترض أن يسري كذلك على سمو ولي العهد، لكونه أمير المستقبل، ولكونه ينوب عن الأمير في فترة غيابه. وأن يعاد النظر كذلك في قانون المؤسسات الخاصة ذات النفع العام، بحيث تدرج المؤسسات التي نشأت وفقاً لقواعده، تحت رقابة وزير الشؤون الاجتماعية، ويسأل هذا الأخير سياسياً عنها أمام مجلس الشورى.
ثالثاً: إعادة النظر في المادة (118) من الدستور لكونه يجيز لرئيس مجلس الوزراء علاوة على القيام بمهام منصبه تقلد مهام إحدى الوزارات الأخرى، أي أن يكون رئيساً للمجلس ووزير في ذات الوقت. فهذا الأمر يحتمل اتجاهين، كلاهما غير مقبول دستورياً، أما القول بإمكانية استجواب رئيس مجلس الوزراء كوزير وعدم إمكانية استجوابه كرئيس مجلس الوزراء، وهو أمر فيه من التناقض ما فيه، إذ يجعل الشخص يستمر في عمله كرئيس لمجلس الوزراء، رغم عدم استمراره كوزير في حال سحب الثقة منه، فمن لم يمنح الثقة للأدنى، لا يصلح لمنح الثقة للأعلى!، أو القول بعدم إمكانية توجيه الاستجواب له كرئيس مجلس الوزراء وكوزير أيضاً وهنا تصبح الوزارة التي يتقلد مهامها محصنة من الرقابة السياسية.
رابعاً: إعادة النظر في المادة (81) من الدستور الدائم التي تجيز التمديد للفصل التشريعي في "حالة الضرورة" لمدة قد تصل إلى فصل تشريعي، أي أربع سنوات أخرى، بتعبير آخر تتيح هذه المادة عندما تقرر الحكومة أن هناك حالة ضرورة إبقاء نفس أعضاء مجلس الشورى رغم انتهاء الفصل التشريعي وحلول موعد انتخابات المجلس الجديد. وتتمثل خطورة هذا الأمر في جانبين، أولهما هو إمكانية استغلال هذا الأمر لإبقاء أعضاء المجلس أطول وقت ممكن عندما يكون هؤلاء أكثر قرباً للحكومة أو لسياستها أو موالين لها، والجانب الآخر في كونه يصادر حق المواطنين في إعادة النظر في ممثليهم في المجلس وانتخاب غيرهم. ويمكن معالجة هذا الأمر بتحديد حالات معينة واضحة للتمديد للفصل التشريعي وعدم تركها لمصطلحات، مثل "المصلحة العامة" أو "الضرورة" ومن جانب آخر ألا يتجاوز التمديد في أي حال من الأحوال سنة واحدة، وليست أربع سنوات كما يقرره الدستور الحالي.
وللحديث بقية إن شاء الله، في عرض عناصر الإطارين السياسي والتشريعي.

halsayed@qu.edu.qa