الاثنين، 7 فبراير 2011

الوزراء التجار

الوزراء التجار
2011-02-08


أكد رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق في أكثر من مقابلة له؛ في معرض إبرازه للخطوات الجادة “وفقاً لوجهة نظره” التي يتخذها النظام في مجال الإصلاح السياسي، بعد زلزال الغضب الشعبي الذي هدد ولا يزال يهدد بإسقاط النظام؛ ورداً منه على من يقلل من أهمية التغيير الوزاري الذي جاء جزئياً لاحتواء الحكومة على وزراء سابقين؛ “بأن الحكومة الجديدة التي يترأسها لا تغلب على أعضائها سمة رجال الأعمال كما كان حال الحكومة المستقيلة، وأن الوزير الوحيد الذي يجمع بين هاتين الصفتين، أي (وزير ورجل أعمال) موجود بشكل استثنائي”، مبيناً أن “الوزارة تحتاج إليه في الوقت الراهن وبعد ذلك سيدرس أمر استبعاده”.
تأكيدات أحمد شفيق رئيس الحكومة المصرية الجديد على عدم ضم حكومته إلا على وزير واحد تبين مدى أهمية إبعاد رجال الأعمال، عن العمل الحكومي، في عملية الإصلاح السياسي، وتعد بلا ريب اعترافاً ضمنياً بفساد أولئك الوزراء التجار في حكومة سلفه المستقيلة.
وبغض النظر عما قيل في تبرير ممارسة الوزراء للتجارة، ومنها: الرغبة في عدم حرمان الأداء الحكومي من قيادات أكسبها العمل في القطاع الخاص رؤية أوسع وإدراك أشمل وفاعلية مرنة يمكنها التمرد على الجمود البيروقراطي ويمكنها إنجاح خطط الدولة التنموية، فإن هذه المزايا ستصطدم بلا ريب بالطبيعة البشرية التي أدركها المنطق السليم منذ القِدم، مما جعل المشرع في أغلب الدول يقرر حظر الجمع بين المسؤولية العامة وممارسة التجارة، حفاظاً على المال العام، وتجنباً لشبهة استغلال النفوذ التي تشدخ الثقة العامة بالنظام وتنتهك مبدأ المساواة.
وفي دولة قطر نجد أن النظام الأساسي المؤقت المعدل “الدستور السابق” كان يدرك أهمية ذلك فأكد عليه في صلبه حيث نصت المادة (38) منه، على أنه “لا يجوز للوزراء أثناء توليهم مناصبهم، أن يزاولوا أي عمل مهني أو تجاري أو أن يدخلوا في معاملة تجارية مع الدولة. ويجب أن يستهدف سلوكهم جميعاً إعلاء كلمة الصالح العام وإنكار المصالح الذاتية إنكاراً كلياً. ويمتنع عليهم أن يستغلوا مراكزهم الرسمية بأي صورة كانت لفائدتهم أو لفائدة من تصلهم به علاقة خاصة..”.. ولكن للأسف هذا الأمر لم يدركه المشرع العادي الذي أجاز في المادة (11) من قانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء إمكانية ممارسة الوزير للنشاط التجاري إذا كان غير متعارض مع طبيعة العمل الذي يقوم به!

ولا أفهم متى يمكن أن تكون طبيعة عمل الوزير غير متعارضة مع النشاط التجاري التي تبرر ممارسته لها، ، ومدى حقيقة اقتصار شبهة استغلال النفوذ على هذه الحالة فقط دون غيرها! وبمقارنة ما جاء في النظام الأساسي المؤقت المعدل بالدستور الدائم، نجد هذا الأخير قد أهمل ما كان مقرراً، مكتفياً بالنص فقط على “أن يستهدف الوزراء في سلوكهم مصالح الوطن وألا يستغلوا مناصبهم الرسمية بأي صورة كانت لفائدتهم أو لفائدة من تصله بهم علاقة خاصة”.
ولا أدعو هنا إلى إصدار قانون “من أين لك هذا”، أو غيره من التشريعات المماثلة، ذلك أن النصوص التشريعية سوف تبقى مجرد نصوص صماء لا فائدة منها إذا لم تتوافر لها آليات وأدوات التنفيذ في الواقع العملي. وأرى أنه من أهم هذه الآليات: هو وجود برلمان حقيقي منتخب يمارس دوره الرقابي ويتصدى لأي شبهة استغلال للنفوذ أو تعارض للمصالح، وأن يمنح ديوان المحاسبة استقلالاً مالياً وإدارياً عن الجسم الحكومي وأن تمتد اختصاصاته لتشمل كل قطاع أو مؤسسة تمول من المال العام دون استثناء، وأن يعاد النظر في قانون الجمعيات بحيث تصيب كبد حقيقة منظمات المجتمع المدني، ناهيك عن أحياء جسد الإعلام والصحافة بنفخ الحرية فيه.

halsayed@qu.edu.qa

الخميس، 3 فبراير 2011

لماذا نخشى العدالة؟!

لماذا نخشى العدالة؟!
2007-04-24


صدر قانون الفصل في المنازعات الإدارية الذي منح كل ذي مصلحة حق التقاضي والطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة عن الأجهزة الحكومية أو الهيئات أو المؤسسات العامة، وأغلق بالتالي صفحات من مرحلة الإدارة التي استمرت أكثر من خمس وأربعين سنة منذ إنشاء أول محكمة نظامية في دولة قطر. والتي كان فيها المرء يمشي إلى خصمه (الإدارة) ليتظلم، وهو مثقل بالشك وعدم الثقة في أن يتم إنصافه حقاً!!.

ومع فرحتنا الكبيرة بصدور هذا القانون الذي يعد بحق خطوة كبيرة نحو الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، وابتعادا عن الاستبدادية ودولة القرارات الشخصية المرتجلة وإساءة استعمال السلطة، إلا أن ما تضمنته المادة (3) من قانون الفصل في المنازعات الإدارية من استثناءات على اختصاص الدائرة الإدارية يعد وللأسف الشديد شرخاً كريهاً ومؤلماً لحق التقاضي المكفول دستورياً للناس كافة.

فالمادة (3) من القانون بعد أن عددت اختصاص الدائرة الإدارية استبعدت عن نظر القضاء أعمال السيادة ومسائل الجنسية، والقرارات الصادرة بموجب قانون حماية المجتمع، والقرارات الصادرة بموجب القوانين المتعلقة بالجمعيات والمؤسسات الخاصة، والمطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات وتراخيص الأسلحة والذخائر والمتفجرات، ودخول وإقامة الأجانب وإبعادهم، ونزع الملكية للمنفعة العامة !!!.

ويجدر بنا أن نستعرض أمثلة للقرارات الصادرة بموجب القوانين المذكورة في المادة رقم (3) أعلاه لندرك سبب خشية المشرع من أن تعرض المنازعات المرفوعة بشأنها على المحاكم. فأعمال السيادة وكما سبق التطرق لها في مقال سابق، مصطلح غير محددة المعالم وقد اختلف القضاء والفقه الفرنسي والعربي في وضع معيار مناسب لتحديد مفهومها، وهي منتقدة لغموضها من جانب ولاتساعها من جانب آخر بحيث تخفي كل ما ترغب الإدارة إخفاءه عن الرقابة. أما مسائل الجنسية فقد تشمل القرارات المتعلقة بمنح الجنسية القطرية أو إسقاطها أو سحبها. أما القرارات الصادرة بموجب قانون حماية المجتمع، فمن أمثلتها قرار التحفظ على المتهم في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو العرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة. والتحفظ كلمة استخدمها المشرع للتلطيف! وتعني في الواقع حبس المتهم، وفيه انتهاك غير مقبول للضمانات الدستورية التي كفلتها مواد قانون الإجراءات الجنائية بشأن سماع المتهم والمدة المقررة لحبسه احتياطياً.

أما القرارات الصادرة بموجب قانون الجمعيات والمؤسسات العامة فمن أمثلتها قرار رفض الطلب الذي يقدمه المؤسسون لتسجيل الجمعية وشهرها، وقرار حل الجمعية. ومن أمثلة القرارات الصادرة بموجب قانون المطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات، قرار تعطيل المطبوعة الصحفية أو إلغاء ترخيصها، وقرار منع تداول المطبوعة. أما القرارات المتعلقة بتراخيص الأسلحة والذخائر والمتفجرات فمنها ذلك الذي يصدر لرفض منح الترخيص أو تقصير مدته أو سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغائه. وأخيراً من أمثلة القرارات المتعلقة بنزع ملكية العقارات للمصلحة العامة: قرار نزع الملكية وما ورد بكشوف وخرائط تقدير العقارات المنزوعة ملكيتها ومساحتها وحدودها، وملاكها وأصحاب الحقوق عليها، وقرارات تقدير قيمة التعويض.

في جميع الأمثلة السابقة نجد المشرع إما أن يترك لجهة الإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ القرار بما تراه مناسباً، أو أن يقيد سلطة الإدارة في اتخاذه بما اشترطه وتطلبه من قيود وإجراءات دون أن يمنحها هامشا من الحرية. وفي كلتا الحالتين ليست هناك أية خشية من خضوع هذه القرارات لرقابة القضاء فينظر في الطعون المقدمة من ذوي المصلحة عند شعورهم بظلم وقع عليهم نتيجة اتخاذها. لذا لا نتفهم نزع هذه المسائل من ولاية القضاء، فعلاوة على ما فيها من تحلل من حكم القانون وسلطانه وإطلاق ليد السلطة التنفيذية دون قيد أو رقيب عليها، وعدم ثقة بنزاهة القضاة وعدل القضاء، فإن فيها إخلالا بمبدأ توازن السلطات ورقابة كل منها للأخرى، التي كرستها نصوص الدستور ومذكراته التفسيرية.

والله من وراء القصد.

فليحذر المسؤولون

فليحذر المسؤولون
2007-04-17


مع إصدار حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى للقانون رقم (7) لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الإدارية، الذي كفل حق التقاضي لجميع من له علاقة بالوزارات والأجهزة الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة في الدولة من موظفين، أو مراجعين أو مستفيدين من خدماتها، نقول: ليحذر المسؤولون وأصحاب القرار في هذه الجهات من أن تكون قراراتهم معيبة وغير متفقة مع القانون. فلم يعد الحال كما كان عليه من كونهم الخصم والحكم، فسوف تنتهي مرحلة الحكومة القاضية، وسوف تبدأ مرحلة العدالة القضائية المحايدة.

فمن حق الموظفين في الجهات الحكومية المختلفة التقاضي أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت والعلاوات المستحقة لهم، ومن حقهم الطلب من المحكمة إلغاء القرارات المتعلقة بإنهاء خدماتهم، أو القرارات التأديبية الصادرة بشأنهم. كما من حق أي شخص أو شركة ذي مصلحة الطعن بالقرارات غير السليمة الصادر عن أية جهة حكومية يتعامل معها كوزارة البلدية أو وزارة التربية والتعليم أو وزارة الداخلية أو المجلس الأعلى للتعليم أو الهيئة العامة للصحة أو أية جهة حكومية خدمية أخرى.

ويشترط القانون لممارسة أي من هؤلاء لحق التقاضي أمورا معينة منها أن يكون ذا مصلحة، وأن يتظلم للجهة الإدارية أولاً حتى لا تُثقل كاهل المحاكم بمنازعات يمكن أن تحل في مراحل متقدمة، ومنها أن تكون القرارات الصادرة عن الجهات الحكومية نهائية. ويعني أن يكون القرار نهائياً أن يصدر من جهة إدارية يخولها القانون سلطة البت في الأمر بغير حاجة إلى تصديق سلطة أعلى، أي أن يقصد مصدر القرار تحقيق أثره القانوني فوراً ومباشرة بمجرد صدوره، وألا يكون ثمة سلطة إدارية للتعقيب عليه، و إلا كان بمثابة اقتراح أو إبداء رأي.

كما يشترط القانون أن يكون سبب الطعن في هذا القرار النهائي يعود لأحد الأسباب التالية: عدم الاختصاص، أو وجود عيب في الشكل، أو وجود مخالفة للقوانين واللوائح، أو أخيراً إساءة استعمال السلطة.
ويعني عيب عدم الاختصاص عدم القدرة على ممارسة عمل قانوني لكون المشرع قد جعله من اختصاص سلطة أو فرد آخر. أما عيب الشكل فالأصل أنه لا يشترط في القرارات الإدارية شكل خاص لصدورها ما لم يقرر القانون عكس ذلك على سبيل الاستثناء، وعندئذٍ لا تكون القرارات مشروعة إلا إذا صدرت باتباع الشكليات المحددة، وباتخاذ الإجراءات المقررة. فقد يتطلب المشرع ضرورة صدور القرار الإداري مكتوباً، أو أن يشترط فيه أن يكون قراراً مسبباً، أو قد يستلزم أخذ رأي جهة معينة قبل إصدار القرار، وهكذا.

أما مخالفة القوانين واللوائح، فيعني صدور القرار بما يخالف أحكامها أو أن يصدر نتيجة خطأ في تطبيقها أو تأويلها. أما عن إساءة استعمال السلطة أو عيب الغاية كما يسميه بعض فقهاء القانون فيعني مجانبة المسؤول للمصلحة العامة عند إصداره للقرار، كاستهداف مصلحة شخصية أو نفع شخصي أو محاباة الغير، أو بقصد الانتقام أوالتشفي أو إشباعاً لأحقاد وضغائن شخصية.
نأمل أن يكون وجود القضاء الإداري في دولة قطر سبباً وراء جودة القرار، و بذل المزيد من العناية والاهتمام من قبل المسؤولين بشأنها فتكون سليمة خالية من العيوب لاسيما عيب إساءة استعمال السلطة.

هذا والله من
وراء القصد.

الجمع بين رئاسة الوزراء ومنصب الوزير

الجمع بين رئاسة الوزراء ومنصب الوزير
2007-04-10


قبل أيام قلائل أصدر حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الأمر الأميري رقم (3) لسنة 2007، بتشكيل مجلس الوزراء، ونص الأمر على أن يكون معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيساً لمجلس الوزراء ووزيراً للخارجية. ونحن ننتهز هذه الفرصة كي نقدم تهنئة قلبية خالصة لمعالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر على الثقة الغالية التي أولاه إياها حضرة صاحب سمو الأمير. فهو أحد رجالات قطر البارزين، الذي كان له بفضل توجيهات الأمير إسهامات مشرقة وعظيمة في الدبلوماسية القطرية المتميزة التي كرست وبكل صدق المادة (7) من الدستور القطري الدالة على أن (تقوم السياسة الخارجية للدولة على مبدأ توطيد السلم والأمن الدوليين، عن طريق تشجيع فض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ودعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتعاون مع الأمم المحبة للسلام).

والجمع بين منصب رئيس مجلس الوزراء ومنصب الوزير وبالرغم من كونه جائز وفقاً للدستور القطري، إذ تنص المادة (118) منه على أنه (يجوز للأمير أن يعهد إلى رئيس مجلس الوزراء أو إلى الوزراء بمهام وزارة أو أكثر)، إلا أنه محل نظر، ويجعلنا نتوقف أمامه كثيراً، لاسيما إذا قورنت المادة السابقة بما ورد في كل من المادتين (110) و (111) من الدستور القطري، بشأن حق أعضاء مجلس الشورى في توجيه استجوابات للوزراء في الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، وما قد يؤول إليه الاستجواب من طرح الثقة في الوزير.

ذلك أن الدستور القطري لم يأخذ بمبدأ التضامن الوزاري أمام مجلس الشورى، بمعنى إنه لا يجوز توجيه استجوابات لرئيس مجلس الوزراء وبالتالي يفترض أنه ليس لأعضاء مجلس الشورى أية آلية دستورية لطرح الثقة عنه. وهذا ما أكدته المذكرة التفسيرية للدستور عند تفسيرها للمادتين السابقتين من الدستور بقولها: (ولما كان الدستور لم يأخذ بمبدأ المسؤولية التضامنية للوزراء أمام المجلس فإنه رأى أن يقتصر توجيه الاستجواب على الوزراء وحدهم ولايجوز توجيه استجوابات إلى رئيس الوزراء قد تؤدي إلى طرح الثقة به) وذلك لأن الاستجواب (كما تقول المذكرة التفسيرية) يحمل معنى المواجهة والمعارضة والاتهام.

غير أن تقلد رئيس مجلس الوزراء لحقيبة وزارية، علاوة على مهامه، يؤدي إلى توفير آلية دستورية لاستجوابه من قبل أعضاء مجلس الشورى، وذلك بإمكانية توجيه الاستجواب إليه، ليس بصفته رئيساً للمجلس - فقد عرفنا عدم الإمكانية الدستورية لذلك - ولكن بصفته وزيراً لأحدى الوزارات، فهو هنا بصفة وزير، والوزراء يمكن أن يوجه لهم استجواباً في الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، والقول بغير ذلك يؤدي إلى استبعاد أعمال هذه الوزارة أو تلك عن رقابة مجلس الشورى مما يخالف صريح نص المادة (110) من الدستور.

ومن المفيد هنا أن أنقل ما قاله أستاذنا الدكتور عادل الطبطبائي، الفقيه الدستوري ووزير التربية والتعليم الكويتي السابق، في بحثه المنشور في مجلة الحقوق الكويتية في العدد (1) من سنة 1997، إذ يقول: "إن رئيس مجلس الوزراء لايجوز سحب الثقة منه، وبالتالي فإن تعيينه وزيراً يعني إمكان سحب الثقة منه بصفته هذه، ولأنه إذا كان (مجلس الأمة) يرى عدم أهليته للثقة كوزير، فإنه من باب أولى ألا يكون أهلاً للثقة في منصب رئاسة الوزراء، ومهامها أكثر أهمية، وأبلغ خطورة من منصب الوزير" - انتهى - ص 24.

لا شك أن جواز الجمع بين منصب رئاسة الوزراء ومنصب الوزير، من ناحية، وإمكانية توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء ليس بصفته رئيساً ولكن بصفته وزيراً، من ناحية أخرى، هي سبب هذه الإشكالية الدستورية التي لايمكن معالجتها إلا بعدم تفعيل المادة (118)، و بإجراء تعديل على نص المادة (118) سالفة الذكر بحيث يحظر الجمع بين هاتين الصفتين. من هنا نرى من الأهمية بمكان أن يتم تعديل نص هذه المادة - عندما يسمح بذلك بعد مرور عشرة سنوات من تاريخ العمل بالدستور - لكي تكون عوضاً عن (ويجوز للأمير أن يعهد إلى رئيس مجلس الوزراء أو أي من الوزراء بمهام وزارة أو أكثر)، ما يأتي: (ويجوز للأمير أن يعهد إلى أحد الوزراء بمهام وزارة أو أكثر).

والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

يوم تاريخي للقضاء القطري

يوم تاريخي للقضاء القطري
2007-04-03


في الأسبوع الماضي أصدر حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى قانونين من أهم القوانين للمواطن والمقيم على أرض قطر، وهما قانون رقم (6) لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الدستورية، وقانون رقم (7) لسنة 2007 بشأن الفصل في المنازعات الإدارية. وتتمثل أهمية إصدار هذين القانونين في ارتباطهما بمبادئ دستورية وقانونية أصيلة ذات صلة وثيقة بحقوق الإنسان، كمبدأ سيادة القانون وخضوع الحكام والسلطات العامة له وكفالة حق التقاضي للجميع. ويعتبر إصدار هذين القانونين تطوراً مهماً في النظام القانوني والقضائي القطري ونقلة نوعية في غاية الأهمية نحو الديمقراطية وكفالة حقوق الإنسان، وبناء دولة المؤسسات، ويخرج دولة قطر من مرحلة الحكومة القاضية إلى مرحلة العدالة القضائية المحايدة. وللأسف الشديد لم نجد من الصحافة أو وسائل الإعلام الأخرى أي اهتمام أو ترحيب أو تسليط للضوء على أهمية إصدارهما كإجراء تحقيقات صحفية مثلاً وأخذ رأي القانونيين أو المواطنين بشأنهما، كما درجت أن تفعل بشأن إصدار التشريعات الأخرى.

وإصدار قانوني الفصل في المنازعات الدستورية والفصل في المنازعات الإدارية جاء تفعيلاً للمادة (140) من الدستور التي نصت على أن (يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها وكيفية الطعن والإجراءات التي تتبع أمامها، ...). والمادة (138) من الدستور التي نصت على أن (يحدد القانون الجهة المختصة بالفصل في المنازعات الإدارية ويبين نظامها وكيفية ممارستها لعملها).

وتعود أهمية إصدار قانون الفصل في المنازعات الدستورية إلى كونه يحدد في المادة الأولى منه الجهة القضائية التي تفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وذلك لضمان احترام هذه التشريعات للدستور و عدم الخروج عليه، فهو الأساس الأول الذي يقوم عليه النظام القانوني للدولة، فنصوصه هي التي تحدد الفلسفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتبناها الدولة، ومبادئه هي التي تكفل حقوق الأفراد وتضمن حرياتهم، وأحكامه هي التي تحدد السلطات العامة واختصاصاتها وحدود نشاطها.

وقد أوكل قانون الفصل في المنازعات الدستورية إلى دائرة تنشأ بمحكمة التمييز تسمى (الدائرة الدستورية) وتتشكل من رئيس محكمة التمييز رئيساً للدائرة وعضوية أربعة من قضاة محكمة التمييز. وبذلك نرى أن المشرع القطري أخذ بمبدأ مركزية الرقابة على دستورية القوانين واللوائح إذ لم يتركها للمحاكم على اختلاف أنواعها للفصل فيها، وحسناً فعل، إذ يتجنب بذلك تضارب الأحكام واختلافها، ويضمن أيضاً أن تنظر هذه المنازعات من خلال رجال ذي خبرة عالية جداً في مجال القضاة.

أما أهمية إصدار قانون الفصل في المنازعات الإدارية فتعود إلى كونه يحدد في المادة (2)، و(8) الدوائر المختصة في الفصل في هذا النوع من المنازعات والتي كانت محجوبة في الماضي عن نظر القضاء. وبالتالي يكتمل حق التقاضي الذي نصت عليه المادة «135» من الدستور القطري بأن «التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة».

فالمنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت والعلاوات المستحقة للموظفين أو لورثتهم، والقرارات الإدارية النهائية وطلبات التعويض عن هذه القرارات، ومنازعات العقود الإدارية، سوف تكون من اختصاص الدائرة الإدارية في المحكمة الابتدائية بشرط التظلم مسبقاً أمام الجهة الإدارية المختصة. أما الطعون الخاصة بالقرارات المتعلقة بانتخابات مجلس الشورى وانتخابات المجلس البلدي فتكون بفضل هذا القانون من اختصاص الدائرة الإدارية الاستئنافية.

لم يكن هدف هذا المقال الوقوف على مواد ونصوص هذين القانونين دراسةً وتحليلاً ونقداً، بل كان الهدف هو بيان أهمية إصدارهما، والتي تماثل أهمية إصدار الدستور ذاته وإنشاء المجالس النيابية، ورفع الرقابة على الصحف وغيرها من الخطوات المهمة نحو الديمقراطية في دولة قطر. فشكراً للقيادة الحكيمة ومبارك للشعب القطري.

هذا والله من وراء القصد

كيف نشجع المواطنين على التصويت؟

كيف نشجع المواطنين على التصويت؟
2007-03-27


حدد يوم الأحد المقبل، الأول من ابريل كميعاد انتخاب أعضاء المجلس البلدي المركزي، وهو يوم يقع بعد الإجازة الأسبوعية مما حدا ببعض المرشحين أن يبدي خشيته من أن يستغل بعض الناخبين هذه الفترة للسفر للإمارات أو البحرين أو الحسا، فلا نرى في مقار اللجان الانتخابية إلا المرشحين، والقائمين عليها. وهو احتمال يمكن أن يقع لاسيما إذا أضيف إليه عزوف بعض الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم لأسباب أخرى كعدم إيمانهم بأهمية دور المجلس واختصاصاته، أو عدم قناعتهم بالمرشحين برامجهم الانتخابية.

ولا شك بأن حرية المواطن في ممارسة حق التصويت من عدمه يعود إلى تبني الدولة لنظام التصويت الاختياري وهو ما تذهب إليه غالبية الدول اليوم. وهو نظام يستند إلى نظرية السيادة الشعبية وأن الانتخاب حق شخصي لصيق بطبيعة الفرد، لصيق بصفته الإنسانية وأن الإرادة العامة تتشكل من مجموع إرادات الأفراد، ومن ثم يمكن للفرد أن يمارس حقه في الانتخاب أو لا يمارسه، فهو حر غير مجبر. ويرى بعض أساتذة القانون أن من الأفضل عدم إجبار المواطن على التصويت، فالفرد الذي لا يهتم بممارسة حق وطني منحه له القانون يجب عدم دفعه لاستعمال ذلك الحق، لأن من لا يباشر حقه في الانتخاب إلا قهراً عنه يقبل بكل بساطة أن يبيعه إلى أكبر المرشحين سخاء، مما يساعد بالتالي على انتشار شراء الأصوات وغيرها من الآفات الانتخابية بين الناخبين.

إلا أن أساتذة القانون يأخذون على طريقة التصويت الاختياري، مساهمتها في تقاعس الكثيرين عن القيام بأداء هذا الواجب الوطني، وعدم مشاركتهم في الانتخابات بل قد يصل عدد المتخلفين عن الانتخابات إلى أكثر من عدد المصوتين.

لذا يرى بعض الفقهاء الأخذ بطريقة التصويت الإجباري التي تجد أساسها من نظرية السيادة للأمة وأن الانتخاب وظيفة اجتماعية يمارسها الفرد ولا يمكنه التنازل عنها أو عدم ممارستها، وإلا عوقب. وقد أخذت بهذه الطريقة بعض الدول في الماضي كأستراليا، ورومانيا ولكسمبورج والدانمارك والمجر، بفضل مزاياها المتعددة كوسيلة من وسائل معالجة ظاهرة التخلف عن الانتخابات والامتناع عن المشاركة فيها. وقد أظهر الأخذ بهذه الطريقة نتائج مشجعة في هذا المجال إذ تناقص بشكل ملحوظ عدد المتخلفين عن الانتخاب ليصبح 10% بعد أن كان يزيد على 40% قبل تبني هذه الطريقة.

وبالرغم من رأي هؤلاء، إلا أننا نؤيد ما تبنته الدولة من جعل الانتخاب اختياري وعدم إجبار المواطنين على التصويت أو فرض غرامات عمن يتخلف عن الإدلاء بصوته في يوم الانتخاب. وإن ذهاب المواطن إلى مقر اللجنة الانتخابية يجب ألا يكون بالسيف والحديد وإلا نجم عنه تشويه للإرادة العامة. وأن تشجيع الناخبين على التصويت يعود أولاً وأخيراً إلى قناعتهم بدور المجلس وأهميته في حياتهم. وأن هذه القناعة من الممكن أن تزيد إذا تدخل المشرع ليمنح بعض الصلاحيات الحقيقية للمجلس. هذا وقد نشرت الصحف بالأمس دراسة للدكتور فهد بن عبدالرحمن آل ثاني عن المجالس البلدية في دول الخليج يمكن الاستفادة منها وإعادة النظر في قانون تنظيم المجلس البلدي بعد تجربة زادت على الثماني سنوات.

والله من وراء القصد.

القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية

القواعد المنظمة للدعاية الانتخابية
2007-03-20


نظم قرار وزير الداخلية رقم (7) لسنة 1998 الدعاية الانتخابية لمرشحي المجلس البلدي المركزي. واحتوى القرار على العديد من الضوابط التي يجب أن يلتزم بها المرشحون عند مباشرتهم للحملات الانتخابية والتي قد تشمل عقد الاجتماعات وإلقاء الخطب وإعداد النشرات واوضع الملصقات والإعلانات والصور واستخدام مكبرات الصوت وغيرها من وسائل الدعاية.

واشترط القرار أن يحصل المرشح على ترخيص من وزارة الداخلية قبل مباشرته للدعاية الانتخابية. وحضر عليه أن يدعو من خلال وسائل الدعاية التي يستخدمها إلى أية نزعة قبلية أو طائفية أو يثير هذه النعرات بين المواطنين أو يستخدم شعارات وعبارات أو صوراً تتعارض مع القيم الدينية والاجتماعية للمجتمع القطري. كما منع القرار أن يسيء المرشح إلى أي مرشح آخر أو يطعن في كفاءته بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو أن يمس الأمور الشخصية. كما أوجب ألا تخل الدعاية الانتخابية بالأمن أو الآداب العامة أو التقاليد السائدة في المجتمع.

ومنع القرار أن تعقد الاجتماعات أو تلقى الخطب الدعائية في المساجد أو دور العبادة، أو المدارس أو المعاهد والجامعات، أو في المباني الحكومية أومباني الهيئات والمؤسسات العامة. فلا يستغل خطيب الجمعة منبره مثلاً ولا أستاذ الجامعة محاضرته ولا الموظف العام مراجعيه لصالح مرشح أو آخر، أو لدعم تيار أو طائفة. كما حظر القرار أن توضع الملصقات أو الصور في هذه الأماكن أو على أعمدة الكهرباء والهواتف أو داخل أو خارج قاعات الانتخاب.

أما بشأن الإعلانات الدعائية للمرشحين فيسري عليها إضافة إلى الضوابط السابقة، ما ورد في قانون تنظيم مراقبة ووضع الإعلانات رقم (40) لسنة 1980، الذي لم يجز وضعها قبل الحصول على ترخيص بذلك من البلدية وبعد دفع الرسوم. واشترط القانون أن يكون الإعلان باللغة العربية الفصحى مع جواز استخدام لغة أخرى بجانبها، وألا يسبب وضعه في موقع يعرقل السير أو المرور أو يؤدي إلى إتلاف التمديدات أو الخدمات أو المزروعات، وألا يوضع في المباني والأجهزة الحكومية ودور العبادة والعلم وجدران المباني الحكومية أو الأشجار أو بوسط الدورات.

وأخيراً، ألزم المشرع القطري المرشح بإزالة الإعلانات والملصقات والنشرات الانتخابية أو أية وسيلة من وسائل الدعاية على نفقته عند الانتهاء من العملية الانتخابية.

والله من وراء القصد.

مدى دستورية انتخابات البلدي

مدى دستورية انتخابات البلدي
2007-03-13


نصت المادة (42) من الدستور على أن (تكفل الدولة حق الانتخاب والترشيح للمواطنين، وفقاً للقانون). والمادة جاءت مطلقة وعامة لتكفل ممارسة كافة المواطنين لهذين الحقين سواءً كانوا قطريين بصفة أصلية أو قطريين بالتجنس. ولا يمكن بأي حال أن تفسر كلمة المواطن من الناحية اللغوية على أنه القطري بصفة أصلية فقط، ذلك أن عكس المواطن هو المقيم، أي غير القطري، ولا أحد يستطيع أن يقول إن عكس المواطن هو القطري المتجنس. أما من الناحية القانونية فإن المشرع الدستوري إذا قصد فئة معينة من المواطنين نص على ذلك صراحة كما فعل بشأن من يتقلد الوزارة فنص صراحة في المادة (117) منه على ألا يتولى الوزارة إلا من كانت جنسيته الأصلية قطرية، وكما فعل بشأن شروط عضو مجلس الشورى فنص صراحة في المادة (80) على أن تكون جنسيته الأصلية قطرية. أما إذا أراد كل القطريين استخدام مصطلح (المواطن)، أو (المواطنين)، وهو ما فعله في المادة (20) بشأن توطيد روح الإخاء، والمادة (34) بشأن المساواة في الحقوق والواجبات العامة، والمادة (36) بشأن حرمة إبعاد المواطن عن بلده، أو منعه من الدخول إليه، والمادة (53) بشأن واجب الدفاع عن الوطن. أما إن أراد غير القطري أي المقيم نص على ذلك صراحة كما فعل في المادة (52) بشأن تمتع كل مقيم في الدولة إقامة مشروعة بحماية لشخصه وماله.

وعموم نص المادة (42) تم تقييده بنصين أحدهما من الدستور ذاته والآخر بنص ذي صفة دستورية وذلك بشأن انتخابات مجلس الشورى فقط، دون المجلس البلدي. ذلك أن المادة (80) من الدستور قصرت حق الترشيح لعضوية مجلس الشورى على القطريين بصفة أصلية، كما أن المادة (16) من قانون الجنسية الجديد والذي منحه الدستور الصفة الدستورية قصرت حق الانتخاب لمجلس الشورى على القطريين بصفة أصلية عندما نصت على أن (لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية). وبذلك لا تطبق نص المادة (42) أعلاه على انتخابات مجلس الشورى فقط.

ولما كانت المادة (42) تكفل حق الترشيح والانتخاب لكافة المواطنين سواء كانوا قطريين بصفة أصلية أو قطريين بالتجنس، فليس لقانون المجلس البلدي أن يقيد ممارسة المواطنين لهذين الحقين فيمنع المواطن مكتسب الجنسية من أن يكون عضواً في المجلس البلدي ويشترط لممارسته إياه أن يكون والده من مواليد قطر مثلاً أو يمنع مكتسب الجنسية من ممارسة حق الانتخاب ويشترط للتمتع به أن يكون قد مضى على تجنسه خمس عشرة سنة. فقانون المجلس البلدي من التشريعات العادية وليست له صفة دستورية كقانون الجنسية مثلاً. لذا فقانون المجلس البلدي يأخذ مرتبة أدنى من مرتبة الدستور، ومبدأ سمو الدستور يفرض على مواده أن تكون متفقة مع مواد الدستور خاضعة له وإلا وصمت بعدم الدستورية، لذا ليس لقانون المجلس البلدي أن يقيد عموم نص المادة (42) من الدستور.

كما أن هذا التقييد لحقي الانتخاب والترشيح لعضوية المجلس البلدي محظور بحكم المادة (146) من الدستور التي تمنع تعديل الأحكام الخاصة بالحقوق والحريات العامة إلا إذا كان الهدف منح مزيد من الحقوق والضمانات لصالح المواطن.

ولما كانت انتخابات المجلس البلدي السابقة قد جريت قبل العمل بالدستور لذا فإن إجراءاتها وقعت صحيحة، ولكن وجهة نظرنا تنصرف إلى الانتخابات الحالية لأنها تجرى بعد العمل بالدستور، وكان من المفترض أن تعدل أحكامها وفقاً لنص المادة (143) من الدستور التي تعدل بسريان الدستور كل مواد القوانين واللوائح السابقة التي تخالف أحكامه.

لكل ما تقدم نتمنى على المشرع القطري ضرورة التدخل لتعديل المادة (5) من قانون المجلس البلدي المركزي رقم (12) لسنة 1998 وتعديل المادة (1) من مرسوم تنظيم انتخابات المجلس البلدي رقم (17) لسنة1998، وذلك لمخالفتهما لنص المادة (42) من الدستور. ولأن احترام الدستور واجب على الجميع وفقاً للمادة (57) منه.

والله من وراء القصد.

الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات

الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات
2007-02-27


تضمن الدول المؤمنة بالديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي، التشريعات الخاصة بتنظيم الانتخابات العديد من الضمانات التي تهدف إلى تحقيق انتخابات، نزيهة تعكس إرادة الشعب الحقيقة بحيث لا يصل إلى المجالس النيابية إلا من يرونه أهلاً لأن يمثلهم.

ومن هنا نرى دولة قطر تسعى من خلال تشريعات مختلفة إلى توفير هذه النزاهة، فهي أولاً تمنع تدخل أية سلطة في العملية الانتخابية، فليس للوزراء مثلاً التدخل في انتخابات المجلس البلدي أو مجلس الشورى أو التأثير عليها، وذلك وفقاً لنص المادة (11) من القانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء، إذ حضرت عليهم (التدخل في العمليات الانتخابية أو إجراءاتها بأية صورة من الصور بقصد التأثير في نتيجتها). كما أن ذهاب المشرع إلى حرمان العسكريين وأفراد القوات المسلحة من المشاركة في العملية الانتخابية، يراه بعض أساتذة القانون ضمانة لعدم التأثير على نزاهة الانتخابات بأي وجه من الوجوه.

ومن الضمانات المقررة لنزاهة العملية الانتخابية كذلك ما يقرره الدستور من تبني مبدأ (الاقتراع السري) ويعني ذلك أن يقوم الشخص بنفسه بالتوجه إلى مقر الانتخاب لاختيار من يمثله بسرية تامة بعد التأكد من شخصيته، دون توكيل أحدٍ غيره ودون أن يتم ذلك بطريق المراسلة مثلاً، أو حتى الوسائل الإلكترونية كالانتخاب عن طريق الانترنت، بالرغم مما فيها من تسهيل في ممارسة الحق، غير أن المشرع يرى منعها حتى لا تستغل من قبل أصحاب النفوس الضعيفة فتفسد العملية الانتخابية. فسرية الانتخابات تضمن أن يدلي الناخب بصوته للمرشح الذي يريده فعلاً دون أي تأثير أو حرج أو خوف، وهو ما لا يتحقق لو كان الاقتراع علنيا، إذ قد يحرج الشخص من أخيه، أو أمه وأبيه، أو فصيلته أو مرؤوسيه، فيصوت لمن يرونه، مجاملة أو خشيةً، بالرغم من إيمانه بعدم أهليته لتبوؤ هذا المكان.

ومن الضمانات القانونية لنزاهة العملية الانتخابية كذلك أن يتم تحديد الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة بقانون، ولكن للأسف الشديد جاء الدستور القطري في المادة (79) ونص على أن تحدد بمرسوم، والمرسوم هو من وضع السلطة التنفيذية وحدها، على خلاف القانون الذي يشترك الشعب في وضعه عن طريق ممثليه في مجلس الشورى، لذا فإن الديمقراطية تقتضي أن تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية بالأداة التشريعية المسمى (قانون)، وعدم ترك أمرها للسلطة التنفيذية، وذلك لاحتمالية أن تتخذه وسيلة تمكن بها أنصارها من النجاح، وتضعف خصومها عن طريق تشتيت الدوائر الموالية لهم حتى يصبحوا أقليات في دوائر متفرقة فينعدم أثرهم.

ومن الضمانات أيضاً أن يشرف على إدارة الانتخاب في كل دائرة لجنة أو أكثر، تشكل من أحد رجال القضاء أو النيابة العامة، ومندوب عن كل مرشح. وذلك حتى تجرى إدارة العملية الانتخابية بمنتهى الشفافية وتحت إشراف جهة مستقلة كالقضاء و نظر المرشحين أو مندوبيهم.

وأخيراً نرى من الضمانات كذلك وجود قانون يجرم ويعاقب بعض الممارسات والأفعال التي تقصد التأثير على نزاهة الانتخابات، وتحدد عقوبة توقع على مرتكبها، الذي قد يكون فردا عادياً، أو ممن أنيط بهم بعض الواجبات المتعلقة بالعملية الانتخابية كأعضاء لجان القيد ولجان الانتخاب. ومن هذه الجرائم ما قد يقع قبل العملية الانتخابية نفسها ولكنه متصل بها، كإدراج اسم في جدول الانتخاب أو إهمال اسم على خلاف أحكام قانون الانتخاب. ومنها ما قد يقع أثناء عملية الانتخاب، كاستعمال القوة أو التهديد لمنع الناخب من استعمال حقه أو حمله على التصويت على وجه معين، ومنها ما قد يقع أثناء عملية الفرز كتغيير نتيجة الانتخاب بأي طريقة من الطرق. ومما يجدر ذكره أن قوانين الانتخاب في الدول المختلفة تقسم جرائم الانتخاب وتصنفها على حسب خطورتها ومدى تأثيرها في نتيجة الانتخاب وحسب ما فرضت لها من عقاب. فهي مثلاً لا تساوي في العقاب بين من دخل قاعة الانتخاب بلا حق ولم يخرج منها عند أمر اللجنة له بذلك وبين من خطف الصندوق المحتوى على أوراق الانتخاب أو أتلفه، وهكذا.

والله من وراء القصد.

الحاكم مصدر السلطات

نشر بالشرق بعنوان "الشعب مصدر السلطات!!
2007-02-20


تحتوي العديد من دساتير العالم نصاً يقرر أن (الشعب مصدر السلطات)، وهو مبدأ كتبته شعوب الدول ذات الديمقراطيات العريقة بدمائها بعد أن ثارت على ظلم الملوك واستبدادهم وطغيانهم، ضماناً لترسيخ الديمقراطية ومبدأ الفصل بين السلطات وعدم خضوعها لشخص واحد ينفرد بشؤون البلاد والعباد. ووفقاً لهذا النص - الذي تحول في جانب منه أو آخر إلى مجرد نص نظري - يأتي أعضاء السلطات الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية عن طريق الشعب. فالسلطة التشريعية تتألف من نواب الشعب، الممثلين عنه والذين وصلوا عن طريقه إلى قبة البرلمان، ورئيس الدولة أو الحكومة وأعضائها الذين نالوا رضا أغلب الشعب وأصواته فتبوأوا مقاعدهم، كما أن القضاة وصلوا إلى منصة العدالة عن طريق الانتخاب وهو الأمر المعمول به في بعض ولايات أمريكا وبعض الدول الاشتراكية.

ونحن في الدول العربية نزين دساتيرنا بهذا المبدأ والذي لا يتفق مع ما تتضمنه بقية موادها من ناحية، ويكذبه الواقع العملي من ناحية أخرى. فبقراءة سريعة لمواد هذه الدساتير وما يتعلق منها بالسلطات الثلاث نجد أن رئيس الدولة أو رئيس الجمهورية أو الحاكم أو الملك أو الأمير هو من يعين أعضاء المجالس التشريعية إن لم يكن كلهم فيعين عدد كبير منهم، ويملك إقالة هؤلاء، كما يملك دعوة هذه المجالس للانعقاد وفضها، وتأجيل اجتماعاتها، وتمديد الفصول التشريعية، ويملك حل البرلمان وغيرها من المسائل، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة التنفيذية فالحاكم من يتولاها ويعين رئيس الحكومة أو رئيس مجلس الوزراء والوزراء ويعزلهم أو يقبل استقالتهم ويحدد مخصصاتهم، ويكونوا مسؤولين أمامه مسؤولية تضامنية أو فردية عن أعمال وزاراتهم. و هذا هو شأن السلطة القضائية كذلك إذ نراه هو من يعين القضاة بمرسوم ويعفيهم من مناصبهم إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك!!، كما يحدد مخصصاتهم وتصدر أحكامهم باسمه.

لذلك كله فإنني أرى ألا يزج بمبدأ الشعب مصدر السلطات في وثائقنا الدستورية، وإن كان لا بد من ذلك أن تستبدل به عبارة (الحاكم مصدر السلطات)، فهي أكثر صدقاً للواقع وأكثر توافقاً مع بقية نصوص الدستور.

والله من وراء القصد.

الثلاثاء، 1 فبراير 2011

قانون المسيرات القطري وواقع المظاهرات

نشر بجريدة الشرق تحت عنوان "سلطة القانون ومظاهرات العالم العربي"
2011-02-01


لا يكاد يخلو يوم من أيام شهر يناير الذي انصرم بالأمس من مظاهرة في الوطن العربي، ولدت شرارتها بإيقاد "بوعزيزي" النار في نفسه لتحرِق المستبدين وينتفض الشعب، ويسقط النظام، وتولد الحرية والعدالة، وتنبعث رائحة الياسمين. هذه النار انتشرت في الهشيم لتهدد كل نظام ظالم. فشهدت أغلب دول العالم مظاهرات ومسيرات وتجمعات، بعضها مطالبة بالتغيير والإصلاح، وبعضها محتجة على رفع أسعار السلع الأساسية، أو رداءة البنى التحتية، أو الفساد، وبعضها مؤيدة ومباركة لرغبة الشعب التونسي وانتصاره ومتمنية أن يعتبر النظام لديها، ويفهم الطغاةُ الشعوبَ قبل أن يفوت الأوان، وبعضها مؤيد لانتفاضة الشباب المصري. ويمكننا أن نكتفي هنا بضرب أمثلة لمظاهرات شهدها فقط الأسبوع الأخير من شهر يناير: ففي 25 يناير اندفعت مظاهرات الغضب في مصر وهي مستمرة إلى اليوم، وفي 27 يناير تجددت مظاهرات اليمن مطالبة برحيل صالح ونظامه ورفض التوريث، وفي 28 يناير شهدت الأردن مظاهرات في مدن متفرقة احتجاجاً على غلاء المعيشة، كما شهدت جدة مظاهرة في ذات اليوم، وفي 29 يناير تظاهر آلاف الجزائريين مطالبين بتغير جذري، وفي 30 يناير عرفت السودان مظاهرات طلابية منددة بالحكومة ومطالبة باستقالتها.
وقد دفعتني هذه الأحداث إلى مراجعة القانون القطري رقم (18) لسنة 2004 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات، والذي يفترض ألا تخرج أحكامه وقواعده عن كفالة الدستور لحق التجمع، حيث نصت المادة (44) من الدستور الدائم لدولة قطر على أن "حق المواطنين في التجمع مكفول وفقاً لأحكام القانون".
وقد عرّف القانون القطري المسيرة بأنها "كل موكب يسير أو تجمع يقام، في الطرق والميادين العامة، ويشارك أو يتوقع أن يشارك فيه أكثر من عشرين شخصاً، سواء كان صامتاً أو مصحوباً بهتاف أو صياح". وقد اشترط القانون لتسيير المسيرة أو تنظيمها أو الدعوة إليها أو الإعلان عنها أو إذاعة أنباء بشأنها أن يتم ذلك بعد الحصول على ترخيص من مدير عام الأمن العام، بناء على طلب كتابي يقدم إليه موقعاً من عدد لا يقل عن ثلاثة ممن لهم علاقة بالمسيرة، موضحاً الزمان والمكان وخط السير. على أن يقدم هذا الطلب قبل الموعد المحدد للمسيرة بسبعة أيام على الأقل، ويعتبر الطلب مرفوضاً إذا لم يرد عليه قبل الموعد المحدد بثلاثة أيام.
ووضع القانون بعض القواعد المتعلقة بالمسيرة إذ لا يجوز أن تبدأ قبل الثامنة صباحاً، ولا يجوز أن تستمر بعد غروب الشمس إلا بإذن من وزير الداخلية أو ممن ينوب عنه. كما لا يجوز أن يحمل أي شخص يشارك في المسيرة سلاحاً حتى وإن كان مرخصاً، ويجب ألا يسيء التجمع إلى سمعة الدولة أو الدول الأخرى. كما يجوز للشرطة أن تعدل من خط سير المسيرة أو مكان التجمع إذا تبين لها أن من شأنه الإخلال بالأمن والنظام العام أو تعطيل حركة المرور. ثم يسرد القانون سلسلة من المواد التي تعاقب بالحبس والغرامة تحل بمن يخالف القواعد والشروط المنظمة لهذا الحق.
ولنا على هذه القواعد والشروط التي وردت في القانون بعض الملاحظات،
أولاً: أن المشرع عندما ينظم التجمع يجب ألا يغيب عن مفهومه أنه حق للمواطنين قبل كل شيء، وأن الدستور كفله، وأن التنظيم لا يعني بأي حال من الأحوال تفريغ الحق من معناه، ويجب أن يقتصر دور القانون على تحقيق التوازن بين أمرين: إتاحة ممارسة هذا الحق للمواطنين من جانب، وتحقيق مصلحة المجتمع لا النظام من جانب آخر، ومصلحة المجتمع تتمثل، في عدم الاعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة أو ثوابت المجتمع أو حقوق الآخرين أو إثارة الشغب أو العنف أو الفوضى. إذن طالما ستسير المظاهرة في إطارها السلمي دون أن تتجاوز غرضها، فلا يحق للحكومة أن ترفض إقامتها أو تمنع استمرارها.
ثانياً: بما أن التجمع حق كفله الدستور، فلا أرى مناسباً أن يكون بناء على ترخيص أو طلب إذن لإقامته، وإنما ينبغي أن يقتصر الأمر على "إخطار" أو "إبلاغ" الجهة المختصة بموعد اقامته ومكانه وخط سيره. ويمكن حصول المنظمين للمسيرة على إيصال من الجهة المعنية للتدليل أو الإثبات بأنهم قاموا بإخطارها.
ثالثاً: ان الفترة الزمنية التي اشترطها القانون القطري لطلب الترخيص للمسيرة وهي سبعة أيام على الأقل قبل الموعد المحدد لإقامتها فيها تطويل قد يفوت على المواطنين الهدف من ممارسة حقهم، لا سيما وأن ممارسة هذا الحق هو وليد الظروف أو الأحداث المسببة له، لذا أرى تقليص فترة إبلاغ السلطة أو إخطارها، ليكون من الجائز القيام بالإخطار في فترة لا تقل عن أربع وعشرين ساعة عن موعد إقامة التجمع أو المسيرة، وهي فترة كافية لتهيئ السلطة نفسها حمايةً وتنظيماً وليس إخماداً وكبتاً.
رابعاً: إن افتراض المشرع عدم رد الجهة المعنية على طلب الترخيص قبل ثلاثة أيام من موعد إقامة المسيرة رفضاً ضمنياً، لا ينسجم مع كون التجمع والمسيرة حقا، إذ ينبغي تعديل هذه المادة لكي تعني "العكس"، بمعنى إذا لم ترد الجهة المختصة فإن ذلك يعني عدم ممانعتها لإقامة المظاهرة.
خامساً: في حالة ممانعة أو رفض الجهة المختصة إقامة المسيرة أو التجمع أن يكون هذا الرفض مسبباً، ولأسباب واضحة وحقيقية، ويمكن للمنظمين التظلم بشأنه ثم التقاضي.
سادساً: أن المشرع وضع عقوبات مختلفة لمن يخالف القواعد والشروط المنظمة لحق التجمع، ومنها على سبيل المثال: عقوبات لمن يبدأ بالمسيرة قبل الساعة الثامنة صباحاً أو يبقى بها بعد غروب الشمس، أو من يعلن عن مسيرة غير مرخصة بأية وسيلة من وسائل النشر (تدخل ضمنها الوسائل الإلكترونية مواقع، منتديات، فيس بوك، إيميلات، مسجات، إلخ...)، أو يشترك فيها، ونرى بأن من الإجحاف معاقبة المواطن على ممارسة حقه، لاسيما إذا سلمنا بأن هذا الحق لا يحتاج إلى ترخيص لممارسته، بل مجرد إخطار تفرضه مصلحة المجتمع في تنظيم المظاهرة وعدم خروجها عن أهدافها السلمية.
هذا، والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa