الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017

انتخابات منصفة


انتخابات منصفة
جريدة الشرق القطرية
21 نوفمبر 2017


أكد سمو الأمير في خطابه أمام مجلس الشورى، في افتتاح دور انعقاده السادس والأربعين، على أن "الحكومة تقوم حاليًا بالإعداد لانتخابات مجلس الشورى بما في ذلك إعداد مشروعات الأدوات التشريعية اللازمة على نحو يضمن سير هذه الانتخابات بشكل مكتمل، بحيث نتجنب الحاجة إلى التعديل في كل فترة. فثمة نواقص وإشكاليات قانونية لابد من التغلب عليها ابتداءً لكي تكون انتخابات مجلس الشورى منصفة. وسوف تعرض على مجلسكم الموقر خلال العام القادم".
 وأتوقف في هذا المقال عند قول سموه "فثمة نواقص وإشكاليات قانونية لابد من التغلب عليها ابتداء لكي تكون انتخابات مجلس الشورى منصفة".

والانتخابات المنصفة التي نوه عنها سمو الأمير في خطابه لابد أن تنصرف إلى تحقيق العدالة بين المواطنين بعدم حرمان طائفة منهم من ممارسة حقي الترشيح والانتخاب مطلقًا، ولكن أين تكمن الإشكالية القانونية والدستور القطري قد نص في المادة (34)  منه على أن "المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة" ونص في المادة (42)  منه على أن "تكفل الدولة حق الترشيح والانتخاب للمواطنين، وفقًا للقانون"، وهو يعني صراحة أن كل المواطنين متساوون في الحقوق السياسية، سواء كانوا مواطنين بصفة أصلية أم مواطنين ممن اكتسبوا الجنسية؟
 أرى إن الإشكالية القانونية تكمن فيما قرره قانون الجنسية رقم (38)  لسنة 2005 من أنه "لا يكون لمن اكتسب الجنسية القطرية حق الانتخاب أو الترشيح أو التعيين في أي هيئة تشريعية". إذ إن هذا الأمر يمكن تقبله لو تم حرمان هذه الفئة لمدة مؤقتة فيما تسمى مدة اختبار الولاء، أو تم قصر الحرمان على من اكتسب الجنسية دون أن يتعدى الحرمان إلى ذريته من بعده، ولكن قانون الجنسية القطري لم يكتف بذلك بل نص على أنه "يعتبر قطريًّا بالتجنس من ولد في قطر أو الخارج لأب قطريّ بالتجنس". وهو بهذا لم يحرم أبناء المتجنس من التمتع بحقي الترشيح والانتخاب فقط، بل قرر ذلك على جميع ذريته مهما تفرعت وتعاقبت، إذ يعتبر ابن المتجنس متجنسًا، وهذا الأخير باعتباره متجنسًا بحكم القانون سوف يضفي على أبنائه صفة التجنس كذلك، وهكذا جيلًا بعد جيل إلى ما لا نهاية. مما يؤدي إلى اتساع نطاق المحرومين من المواطنين من حقي الترشيح والانتخاب مع تعاقب الزمان وتناسل الأجيال. وهو أمر ينجم عنه آثار سلبية لاسيَّما أن هذه الفئة سوف تشكل الأغلبية مع مرور الوقت. 

ولا شك بأن هذا الأمر يمكن معالجته لو كان قانون الجنسية تشريعًا عاديًا يتم تعديله بالإجراءات ذاتها التي تعدل بها القوانين العادية، غير أن الإشكالية هي أن الدستور القطري منح أحكام الجنسية القطرية الصفة الدستورية، بمعنى أنه لا يمكن تعديل أحكامه إلا بالإجراءات ذاتها التي تعدل به مواد الدستور ذاته، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل مجلس الشورى المعين لكون هذا المجلس لا يستطيع أن يمارس اختصاصات المجلس المقررة في الدستور ومنها اقتراح تعديل الدستور وإقرار طلب تعديل الدستور. وبالتالي لا يمكن أن يعدل الدستور أو أي قانون له صفة دستورية إلا في ظل المجلس المنتخب. 

 ومما سبق نستشعر قول سمو الأمير: "فثمة نواقص وإشكاليات قانونية لا بد من التغلب عليها ابتداء لكي تكون انتخابات مجلس الشورى منصفة". 

 ومن جانبنا نرى أن التغلب على هذه الإشكالية القانونية يكمن في اعتبار الصفة الدستورية التي قررها الدستور لأحكام الجنسية القطرية قد لحقت بقانون الجنسية السابق رقم (2)  لسنة 1961، لأن أحكامه هي التي كانت سارية ونافذة وقت بدء العمل بالدستور الحالي، فبالتالي اكتسب قانون الجنسية رقم (2)  لسنة 1961 الصفة الدستورية فلا يمكن تعديله أو إلغاؤه أو إحلال قانون جديد محله إلا باتباع الإجراءات ذاتها التي تتبع عند تعديل الدستور. ولما كانت هذه الإجراءات لم تتبع فإن إصدار قانون الجنسية الحالي رقم (38)  لسنة 2005 بعد ستة أشهر من دخول الدستور حيز النفاذ، وفي ظل المجلس المعين يعتبر باطلا (انظر بحثنا المعنون بالصفة الدستورية لأحكام الجنسية القطرية وأثرها على قانون الجنسية الجديد). 

 كما يمكن التغلب جزئيًا على هذه الإشكالية في أن يذهب قانون انتخاب مجلس الشورى المرتقب إلى حرمان مكتسب الجنسية والجيل الأول من ذريته فقط على اعتبار أن تفسير ما جاء في قانون الجنسية القطري من أن (يعتبر قطريًّا بالتجنس من ولد في قطر أو الخارج لأب قطريّ بالتجنس)  يقصد به الجيل الأول ولا يمتد إلى غيره من الأجيال.

عدا ذلك فإن حل هذه الإشكالية لا يمكن أن يكون إلا بعد صدور قانون انتخاب مجلس الشورى المرتقب منسجمًا مع ما يشترطه قانون الجنسية القطري (38)  لسنة 2005 من شروط ابتداءً، ثم يتم تعديل قانون الجنسية في ظل المجلس المنتخب وفقًا للإجراءات التي تتبع لتعديل الدستور فتحذف منه المواد التي تنص على تضييق دائرتي الترشيح والانتخاب. والله من وراء القصد.