الاثنين، 9 يناير 2012

2011 عام الدساتير العربية

2011 عام الدساتير العربية
2012-01-10


 لم يكن عام 2011 مؤججاً للثورات العربية ضد الأنظمة المستبدة والحكام الطغاة فحسب، بل كان أيضاً عام الدساتير العربية. فقد شهدت أغلب الدول العربية من سلطنة عمان شرقاً إلى المملكة المغربية غرباً إما تغييراً لهذه الدساتير أو تعديلاً لها.
ففي اليمن قبل الثورة، رفض نواب المعارضة المشاركة في جلسة 1 يناير 2011، احتجاجاً على التعديلات الدستورية التي كانت تمهد لإعادة انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح مدى الحياة، واعتصموا أمام البرلمان رافعين لافتات كتب عليها "لا لإعادة الانتخاب، لا لتوريث السلطة"، إلا أن البرلمان الذي يسيطر عليه الحزب الحاكم أقر هذه التعديلات. ولكن، ما إن أصاب اليمن نسمات الربيع العربي حتى قدم الرئيس صالح؛ بعد أقل من ثلاثة شهور على إقرار البرلمان للتعديلات السابقة؛ مُقترحاً لامتصاص الغضب الشعبي في البلاد، يتمثل في وضع دستور جديد يُستفتى عليه قبل نهاية السنة، ويؤسس لنظام برلماني.
وفي مصر، وبعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، طرح المجلس الأعلى للقوات المسلحة على الاستفتاء في 19 مارس، تعديلات دستورية صاغتها لجنة مختصة برئاسة طارق البشري، وتمت الموافقة عليها بنسبة تزيد على 77% من عدد المصوتين. وهدفت التعديلات إلى فتح الطريق لانتخابات تشريعية تليها انتخابات رئاسية، وذلك بتعديل بعض المواد كتلك المتعلقة بشروط المرشح لمنصب الرئاسة، والإشراف على العملية الانتخابية. كما شهدت مصر في هذه الظروف وثيقة المبادئ الأساسية للدستور التي طرحها "علي السلمي"، وانتقدها شق واسع من الأحزاب والساسة المصريين. كما عرفت مصر في 30 مارس 2011 الإعلان الدستوري الذي تبناه المجلس الأعلى للقوات المسلحة لينظم شؤون البلاد حتى العمل بالدستور الجديد الذي سيوضع بعد الانتخابات البرلمانية.
وفي الأردن شكل الملك عبدالله الثاني بن الحسين في أواخر أبريل لجنة برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد اللوزي للنظر في أي تعديلات محتملة لمواد الدستور، وقد خلصت هذه اللجنة إلى عدة تعديلات نالت أكثر من 40 مادة، والتي رأت الحكومة بأنها تعزز مبدأ الفصل بين السلطات وإعادة التوازن بينها، بينما رأت المعارضة بأنها تعديلات شكلية ومفرغة من مضمونها.
وفي ليبيا، وقبل سقوط نظام القذافي، أشار سيف الإسلام القذافي في منتصف شهر أبريل إلى دستور جديد لليبيا يحد من صلاحيات والده. وبعد سقوط نظام القذافي، أعلن عبدالرحيم الكيب رئيس الحكومة للفترة الانتقالية عن وضع دستور جديد للبلاد يحدد شكل الدولة.
وفي الجزائر، شهد شهر مايو 2011 نقاشات لتعديل الدستور شملت المواد المتعلقة بمدد الرئاسة، وعلاقة الرئيس بالحكومة، ودعم صلاحيات البرلمان، ومدى إمكانية إلغاء الغرفة البرلمانية الثانية. كما نقل خبر طلب الرئيس بوتفليقة من المجلس الدستوري تحضير مسودة قانون الحريات السياسية.
وفي السودان احتل السؤال عن دستور جديد الأولوية في الشارع السياسي بعد أن رأى البعض انتهاء صلاحية بعض مواد الدستور الحالي بانفصال الجنوب. وقد أكد الرئيس البشير في هذا الجانب أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيس للدستور القادم.
وفي المملكة المغربية تم الاستفتاء في يوليو 2011 على التعديلات التي نالت دستور 1996، حيث بادر الملك محمد الخامس على أعقاب تظاهرات حركة 20 فبراير إلى إنشاء لجنة لمراجعة الدستور لمنح المزيد من الصلاحيات لرئيس الحكومة والمزيد من الاختصاصات التشريعية للبرلمان وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي سوريا، وفي إطار جهوده المضنية لاحتواء ثورة الشعب، وإطلاع العالم الخارجي بأنه يسير في طريق الإصلاح، شكل الرئيس السوري بشار الأسد في منتصف أكتوبر لجنة كلفت بصياغة دستور جديد، بحيث تنتهي اللجنة من عملها في غضون أربعة أشهر.
وبعدها بأيام شهدت سلطنة عمان تعديلاً دستورياً نال العديد من مواد النظام الأساس للدولة لاسيَّما تلك المتعلقة بمجلس الشورى ومنحه حق إقرار مشاريع القوانين واستجواب وزراء الخدمات في الأمور المتعلقة بمهامهم ورفع نتيجة ذلك إلى السلطان.
أما تونس التي شهدت في أواخر أكتوبر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، أقر هذا المجلس في 11 ديسمبر دستوراً مصغراً مؤقتاً للبلاد ينظم السلطات في البلاد مؤقتاً.
ومن موريتانيا، نقلت الصحف في أواخر العام الماضي خبر تعديلات دستورية مرتقبة تهدف إلى تقليص صلاحيات الرئيس وسيتم اعتمادها خلال اجتماع مشترك لغرفتي البرلمان.
وأخيراً، في البحرين وبعد أزمة شهدتها البلاد خلال عام 2011، أحالت الحكومة البحرينية مطلع هذا الأسبوع مشروع تعديل الدستور الذي يهدف إلى تعزيز دور السلطة التشريعية وإعطائها صلاحيات أوسع.
لا شك أن سقوط بعض هذه الدساتير، وتعديل نصوص البعض الآخر منها، مرتبط بشكل حتمي بغضب الشعوب العربية الذي شهده عام 2011. فهذه الثورات جاءت لتفك الشعوب المستعبدة من قيد الأنظمة الظالمة وتمنحها الحرية. فدستور العدالة لا يحيا إلا في بيئة الحرية. أما دساتير الأنظمة الفاسدة فهي إما نصوص نظرية لا تغادر مبادئها وحرياتها الورق الذي كتبت عليه، أو نصوص مستبدة ككاتبها، وضعت لتكرس الحكم المطلق وتكفل استمرار جوره وطغيانه. فبسقوط هذه الأنظمة سقطت دساتيرها الظالمة، وبسياط الرعب من السقوط خشيت أنظمة أخرى على أنفسها فأسقطت بعض المواد من دساتيرها واستبدلتها بمواد أخرى لعلها تتجنب ما حل بمثيلاتها.
والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق