السبت، 29 ديسمبر 2012

كلمة الدكتور حسن السيد حفل تخريج طلاب جامعة قطر 2012

كلمة الدكتور حسن السيد
حفل تخريج طلاب جامعة قطر
27 ديسمبر 2012







الحضور الكريم
أجد من الواجب علي في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذة الدكتورة الفاضلة شيخة بنت عبدالله المسند لمنحي شرف إلقاء هذه الكلمة أمام هذا الجمع الكريم، ضيوف وزملاء وطلبة.

عند كتابتي لهذه الكلمة أخذت يد الذاكرة تقلب صفحات أيامي سريعاً بشكل عكسي وتعود بها إلى الوراء حيث توقفت لبرهة عند السطور التي دونت ذلك الحدث! إنه حدث بسيط وخاص...لكنه هام بالنسبَةِ لي... إذ رسم مستقبلي.... إنه مجرد حوار ونقاش روتيني اعتاد أخوتي واخواتي أن يخوضونه كلما التم جمع الأسرة بعد وجبة غداء أو عشاء... نتحلى فيه بتناول أشهى ما قد يطرحه أحدنا على مائدة الحوار مما يتعلق بشؤون الحياة اليومية أو الاحداث الجارية سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية... اعتادت أسرتي على جو الحرية بفضل تسامح أبي وشغف أخوتي بالقراءة والمطالعة.... وكان الحوار غالباً ما يأخذ طابع المناظرة بين مؤيد ومعارض ومستمع... كنت صغيراً حينها لم يتجاوز عمري الرابعة عشر...في ذلك اليوم شاركت في الحوار وبينت وجهة نظري، وغلبت رأي أحد أخوتي على رأي آخر ابداه أحدهم، لم أعد أذكر عما كان يدور... لكنني أذكر جيداً إعجاب أخي الكبير ابراهيم بما قلته، فقال معقباً: لماذا لا تدرس القانون، هكذا فجأة! جملة اعتراضية لا تمت بموضوع الحوار بصلة، ربما أعجبته حجتي فرأى أنني محام جيد استطاع أن يقنع الحضور بوجهة نظره أو قاض متميز استطاع أن يمحص الحجج، ويغلب إحداها على الأخرى ويفصل في الأمر.... انتهى الحوار بتسرب كلٍ منا إلى شأنه... ولكنه لم ينته بالنسبة لي، فقد تعلقت كلمات أخي في ذهني ولامست قلبي... القانون... القانون.. نعم القانون... سأتخصص في القانون، سأكون محامياً أو قاضياً... لكني لا أزال في المرحلة الاعدادية! والطريق ما زال بعيداً....فهل سيتغير هذا الهدف الذي وضعته الصدفة أمام ناظري؟
       أثبتت لي التجربة بأن تحديد الهدف يجعل الذهن حاضراً منتبهاً والعين لاقطة لكل ما يمت بالهدف بصلة... وهذا ما حصل لي فعلاً إذ أصبحت الاحظ كل اشارة للقانون ترد في الصحف أو الإذاعة وكأنني معني بها....في تلك الفترة أُعجبت بغاندي ونضاله السلمي لتحرير بلده ربما كان سبب اعجابي الكبير به لا يقتصر على حكمته ونقاء مبادئه فحسب، بل لأنه درس القانون أيضاً.
       أصبحت عربة الزمن تمر سريعاً على مفترقات الطرق...فها أنا في الثانوية أفضل التخصص الأدبي على العلمي، لأن من استشرتهم اجمعوا بأنه الأنسب لدراسة القانون في المستقبل...
في تلك المرحلة اكتشفت بأن جامعة قطر ليس بها تخصص القانون وإنني إن رغبت في بعثة دراسية في الخارج فيجب أن تكون نسبتي في الثانوية العامة عالية جداً.....نعم إنه الهدف مرة أخرى فتحديده والتعلق به والتطلع لنيله يدفع المرء إلى التفوق دفعاً، وهذا ما كان فعلاً....
وها أنا ذا اتجه إلى الكويت، حيث كلية الحقوق العريقة التي أنشئت عام 1967 واصبحت تستقطب بمرتباتها العالية أفضل اساتذة القانون في العالم العربي والمشهورة بإلزامية الحضور فيها وصرامة وجدية الدراسة بها، لم تكن هذه الكلية منهلاً لاشباع روحي المتعطشة لهذا التخصص فحسب بل كانت مسرحاً للندوات والوقفات التي تربط الكلية بالأحداث الجارية في المجتمع والعالم.... كان المشهد يبهر من يمشي في أروقتها أو يجلس على مدرجاتها أو يتأمل فيما يثيره محاضريها من أسئلة... أفاقٌ جديدةٌ وجسدٌ حيٌ ونابض.
لا زلت أتذكر كلمات أحمد أحد زملاء السكن الجامعي: ما لك وهذا التخصص، أتعلم بأنه لم ينجح أحد في الفصل الماضي! لا اخفي عليكم كم أقلقتني تلك الكلمات في لحظتها، لكن كان لها الفضل في بذل المزيد من الجهد والمزيد من الاهتمام...وأصبحت اجني التفوق وأصبحت أبرهن لأحمد عدم دقة كلامه.
توقفت الدراسة في الكويت بسبب احتلالها من جارٍ جارَ عليها.. وتوقفت الخطوات نحو تحقيق الحلم، وعدنا إلى قطر الحبيبة...حاولت جاهداً كسر هذا الجمود بمراسلة العديد من كليات الحقوق الأخرى في العالم العربي إلا أن عدم الرد من بعضها وبطئ إجراءات البعض الآخر لم يسعف في تجاوز العطل، وعرض علي حينها العمل في احدى الوزارات بمرتب جاذب لكن مجرد الخشية من الالتهاء به عن تحقيق الهدف جعل الرد على هذا العرض هو الرفض قطعاً.. وعادت الكويت حرة.... وعدت لها بإصرار أكبر وشغف حالم وساحر...
وها هي الذاكرة تقف عند حدثٍ آخر ... حدثٍ بسيطٍ آخر أعاد رسم مستقبلي ورفع من سقف طموحي. كنت متفوقاً في مقرر الدستوري (1) متمكناً منه، وكثيراً ما كنت أشرح الغامض من دروسه لبعض أصدقائي وزملائي الطلبة، إلا أن نتيجة الدستوري (2) الذي أخذته في فصل آخر ومع أستاذ آخر كانت: الرسوب، ولأول مرة أحصل على هذا التقدير، رأيت أستاذ المقرر وكلي ثقة بأن خطأ ً ما قد وقع....كان الأستاذ ساخراً ، كان الطرف الأقوى في هذه المعادلة المعقدة والجائرة... سبب لي هذا الحدث حينها شيئاً من الألم وشيئاً من الغضب....لكن الحب العميق الذي بداخلي وثقتي بذاتي مكناني من تجاوز الأمر.... وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لك، ألقى هذا الحدث أمام بصيرتي هدفاً جديداً وتحدٍ جديد.... نعم سأتخرج من الكويت وسأكون معيداً في قسم القانون الذي فتح حديثاً في جامعة قطر، وسأواصل دراستي العليا....وسأكون أستاذاً في القانون الدستوري. أقسمت على الله أن يمكنني من تحقيق ما رسمته لنفسي. وقد كان... وقد بر الله بقسمي.. أنه الهدف مرة أخرى....فلو تعلق قلب أحدكم بالثريا لنالها....
ومن الكويت خليجياً إلى الأردن عربياً حيث نلت شهادة الماجستير في القانون من الجامعة الأردنية،  ومن الأردن عربياً إلى بريطانيا دولياً حيث نلت شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة إيست أنجيليا.
أنها سنوات عديدة تجاوزت العشر مليئةٌ بالأحداث والمواقف والتجارب ...منها ما امتزج برائحة القلق والحيرة والاحباط ومنها ما اهتز لنشوة النجاح والتفوق والتميز....لم أعد أذكر الكثير من تفاصيلها.... لكن ما زلت أحتفظ في وجداني بشيءٍ رائع.....أنه سر تفوقي ...أتعلمون ما هو؟... إنه دعاء أمي القديم.... أمي تلك المرأة الرائعة... التي أنشدت لي أنشودة الحب ....ورأيت في عينيها الناعستين كلمات الحب .....وشعرت بين أحضانها بدفء الحب، .....فسبقتني إلى حضن من أحب،... فأمتزج جسدها الطاهر بثرى قطر الطاهرة.
إلى أمي التي غيبها الموت قبل أن أنهي دراستي وبعثتي .....
وإلى أمي الخالدة قطر التي احتضنت جسد أمي.....
إليكما معاً ....أهدي كل كلماتي.....

وإلى أبنائي الخريجين، أقول: ألف ألف مبروك.... ها أنتم قد حققتم بتخرجكم الهدف، وها أنتم على عتبات مرحلة جديدة فلتكن لكم أحلام جديدة... أهداف جديدة.... أهداف كبيرة. وأعلموا أنها لن تكون كبيرة إلا إذا ارتبطت بحب الوطن، بحب قطر. فلتكن أهدافنا جميعاً مرتبطة بحب قطر.  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق