الاثنين، 19 يناير 2015

المباغتة في إصدار تشريعات الحقوق وحق المعارضة في إيقافها

المباغتة في إصدار تشريعات الحقوق وحق المعارضة في إيقافها

الثلاثاء 06-01-2015 01:51
قبل أيام معدودة قامت المحكمة العليا في كينيا بتعليق ثماني مواد من قانون الأمن الوطني الجديد مؤقتًا حتى تنظر في الالتماسات المقدمة من المعارضة بشأن انتهاك هذه المواد للحريات العامة.
والمواد التي أثارت المعارضة وترى فيها انتهاكًا خطيرًا للدستور وأنها تحول كينيا من دولة مؤسسات وقانون إلى دولة بوليسية، تتمثل في تلك التي تطيل فترة احتجاز المشتبه بهم في أعمال إرهابية لمدة تصل إلى سنة دون توجيه تهمة إليهم، وتلك التي تسهل مراقبة الاتصالات وتفرض عقوبة بالسجن لنشر مقال يمكن أن يؤثر في سير عملية التحقيقات. كما أن من المواد التي تم تعليقها تلك التي تفرض عقوبات قاسية لكل من وجد معه سلاحٌ في دار للعبادة ويدان في جريمة إرهاب، وتلك التي تعرض أصحاب المباني والمؤسسات أو المسؤولين عن الأماكن العامة لعقوبات صارمة إن فشلوا في منع دخول الأسلحة لهذه الأماكن.
القانون الجديد تمت الموافقة والتصديق عليه في فترة تقل عن أسبوعين، ولم يمنح لأعضاء البرلمان ولا للرأي العام وقتٌ كافٍ لمناقشته. وإمكانية الحكومة الاستعجال في إصدار التشريع في فترة قياسية أو المباغتة في إصداره، قد يعد "تكتيكًا" من قبلها لتمرير بعض التشريعات التي قد تواجه معارضة شديدة تمنع صدورها لو تم التمهل بها، ويزداد الأمر سوءًا إن كان التشريع يتعلق بتنظيم ممارسة حق من الحقوق. وهو أمر يجب أن ينتبه له المشرع الدستوري، فينص على منع الاستعجال في إصدار التشريعات الأساسية ذات العلاقة بالحريات العامة. فالدستور التونسي الجديد (2014) على سبيل المثال، أكد أن الحريات وحقوق الإنسان تصدر في شكل قانون أساسي، وبين أن مشروع القانون الأساسي لا يعرض على مداولة الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب إلا بعد مضي خمسة عشر يومًا من إحالته على اللجنة المختصة.
إن إمكانية اللجوء إلى المحكمة العليا مباشرة لإبطال قانون صدر بسبب انتهاكه للحقوق والحريات العامة، دون أن تكون هناك قضية معروضة في المحكمة الدنيا يعد ضمانة مهمة جدًا في منع انحراف المشرع عند تنظيمه لهذه الحقوق. فالفقرة 3/ب من المادة (165) من الدستور الكيني لعام 2010 تجعل من صلاحية المحكمة العليا البت فيما إذا كان قد تم الحرمان من حق أو حرية أساسية أو تعرض أي منهما للانتهاك أو التعدي أو التهديد.
إن مما يضعف من فاعلية الحماية التي توفرها المحاكم العليا أو الدستورية للحريات في بعض الدول هو جعل اللجوء المباشر لهذه المحاكم يكون فقط للسلطات التي أسهمت أصلًا في وضع التشريع، أو تجعل لجوء البرلمان إليها يكون بقرار يصدر من أغلبية أعضاء البرلمان مما يحرم المعارضة لكونها لن تتمكن من الوصول إلى الأغلبية المطلوبة. كما أن في كثير من دولنا العربية ليس للأفراد حق اللجوء لهذه المحاكم إلا من خلال أسلوب الدفع الفرعي.
أي يجب أن تكون هناك دعوى منظورة في محكمة دنيا، ويدفع الشخص أمام قاضيها بأن القانون الذي سوف يطبق عليه غير دستوري، وحينها إن وجد القاضي جدية ما دَفع به يمنحه فرصة اللجوء إلى المحكمة الدستورية لتنظر في أمره. ولا شك أن الأمر يزداد سوءًا إن كان اللجوء إلى المحكمة الدنيا من الأساس محظورًا والباب مغلقًا بسبب تحصين المشرع لبعض القرارات واستثنائها من نظر القضاء.
والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق