الاثنين، 19 يناير 2015

أوروبا وإحياء الكراهية من جديد

 

أوروبا وإحياء الكراهية من جديد                          

20 - 1- 2015
جريدة الشرق القطرية

أراقت فرنسا وأوروبا سيولاً جارفة من دماء أبنائها، وعرفت سجونها المخيفة والمظلمة والباردة والنتنة أقسى جرائم التعذيب بشاعة، وشهدت حدود أقاليمها مئات الألوف من المشردين والمهجرين، كان جُل ذلك بسبب عدم قبول الآخر المختلف في معتقده الديني والمذهبي، لذا أدركت وهي تبني نهضتها بأنه لا حياة للحقوق والحريات إلا في بيئة الإخاء والتسامح وقبول الآخر واحترام المعتقدات وحماية الأقليات والمساواة وعدم التمييز. وأن هذه مرتكزات أساسية للدولة والنهوض بها، فأعدمت بذلك الكراهية.
وأكدت فرنسا في المادة الأولى والثانية من دستورها بأنها "تكفل المساواة بين جميع المواطنين أمام القانون، دون تمييز في الأصل أو العرق أو الدين، وتحترم جميع المعتقدات"، وأن شعار الجمهورية الفرنسية هو: (الحرية، المساواة، الإخاء).
لذا ينبغي ألا تصطدم ممارسة الحريات بالمرتكزات الأساسية للمجتمع وإلا تحول اختلاف مشارب ومذاهب المواطنين من أطياف منسجمة جميلة إلى خنادق نارية ومسارات ملغومة.
أهمية هذا التوازن بين ممارسة الحرية وبين الحفاظ على النسيج الوطني أدركه المواطن الفرنسي منذ عام 1789عندما وضع إعلان حقوق الإنسان والمواطن ولا يزال متمسكًا به بالرغم من مرور مائتي عام عليه، وقد أكد على هذا التمسك في ديباجة دستوره الحالي. إذ وضح هذا الإعلان أن "القانون هو إرادة الجمهور ووظيفته ضمان مساواة الحقوق ومنع ما فيه ضرر للهيئة الاجتماعية".
إن ما تناقلته الصحف الأمريكية بالأمس من أن أوروبا تشن حملات على الحريات بتوسيع دائرة الاعتقالات والسعي لصياغة مشروعات قوانين لمراقبة المواطنين وتوسع الجرائم التي تؤدي إلى تجريدهم من جنسيتهم ما هي إلا إجراءات قد تساهم في التخفيف من آثار المشكلة دون معالجة المشكلة ذاتها، ولكنها في المقابل قد تساهم في احتضان الكراهية إن مورست بعشوائية أو انتقائية.
إن ما سبق ليس تبريرًا لمن قاموا بقتل صحفيي أو رسامي كاريكاتير مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، لعدم احترام هذه المجلة للمعتقدات كما نص الدستور، وعدم تجنب ما يهز كيان المجتمع أو ينشر بذور الكراهية بين أطيافه. فمن قام بالحدث لا يمثلني كمسلم، والانتقام وأخذ الحقوق باليد وتنفيذ عقوبات عشوائية غير صادرة عن محاكمة رسمية عادلة لا يمكن أن يبرره أي منطق كان، وهو مَنْفذ لردود فعل أكبر ضد المسلمين ومستنقع يصطاد فيه كل من يريد أن يفتري على الإسلام ويشكك في قيمه السامية.
فرنسا التي كتب أبناؤها إعلان الحقوق بدمائهم، أسالت الدماء ذاتها كي ترسخ دولة المؤسسات والقانون، لذا الرد على نشر الرسوم المسيئة لنبي الرحمة، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، بالرغم من فداحته، يكون بالسير في القنوات الشرعية للمجتمع، كتكوين رأي عام يتفهم خطورة إحياء الكراهية وتكوين رأي في البرلمان يتبنى مقترح قانون يجرم الإساءة للأنبياء، ويساهم في التعايش السلمي، فعندما تبنت العديد من الدول الغربية قوانين تجرم معاداة السامية فإن هذا الأمر تحقق من خلال خوض اليهود للقنوات الشرعية التي جعلت المقترح، بالرغم من تقييده لحرية التعبير، تشريعًا واقعًا تحترمه السلطات. هذا، والله من وراء القصد.

هناك تعليق واحد: