الاثنين، 21 نوفمبر 2011

ما يحدث في الكويت ظاهرة صحية!

ما يحدث في الكويت ظاهرة صحية!
2011-11-22


بلغت الأزمة السياسية في الكويت مبلغاً عظيماً، والتي بدأ ارتفاعها تدريجياً منذ ما يزيد على خمس سنوات، وبالتحديد عندما تولى سمو الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم وعهد برئاسة الحكومة إلى الشيخ ناصر المحمد، ولكن هذه الأزمة بين الحكومة والبرلمان تعود إلى ما قبل هذا التاريخ بزمن طويل جداً ومنذ بدايات العمل بالدستور، بل إن لها جذورا ممتدة تصل إلى عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، في زمن الشيخ أحمد الجابر والذي شهد أول مجلس نيابي منتخب قيَّد بعض سلطات الحاكم، إلا أن هذا المجلس لم يدم إلا أشهراً معدودة وسقط لصالح الحكم المطلق.
ثم جاء المغفور له الشيخ عبدالله السالم، الذي شهد عصره استقلال البلاد ووضع الدستور والعمل النيابي. وإن كان هناك من يمجِّد الشيخ عبدالله السالم ويفخر به لترسيخه المبادئ الجوهرية التي نقلت الدولة من الملكية المطلقة إلى الملكية المقيدة، ويعده رمزاً حقيقياً للديمقراطية في الكويت، فإن هناك من يرى أنه فتح باباً لا يمكن غلقه في وجه الشعب وأن ما فعله ما هو إلا اللعنة التي سوف تُذهب بمُلك الأسرة وسلطانها.
منذ وفاة الشيخ عبدالله السالم لم ترض الحكومة بتقييد الدستور لاختصاصاتها ومشاركة الشعب لها في اتخاذ القرار السياسي وتفعيل رقابة الأمة على أعمالها، فزوّرت إرادة الأمة في انتخابات 1967، وحُل المجلس فغابت الحياة النيابية في عام 1976 وعام 1986 ولسنوات طوال، انتهك فيها الدستور الذي يلزم بإجراء انتخابات خلال شهرين من حل المجلس وإلا عاد المجلس السابق، بل ذهب اللعب بالدستور إلى حد استبدال مجلس الأمة ذو الصلاحيات البرلمانية بالمجلس الوطني "مقصص الجناحين" ولولا غزو الكويت الذي وحد الكويتيين حكومة وشعباً وأدركت الأسرة أهمية مساندة الشعب لها فوعدت من منفاها عام 1990 بعودة المجلس لتأخرت عودته طويلاً.
إن ما يحصل في الكويت يجب ألا يختزل باقتحام آلاف المتظاهرين بقيادة بعض النواب لمجلس الأمة وهو أمر لا شك بأنه غير مقبول ولكنه مجرد عارض بعيد تماماً عن أصل الأزمة والذي يتمثل باختصار في الصراع بين عقلية الحكم المطلق النادم إلى الآن على صنيعة عبدالله السالم وبين المدافعين عن مكتسبات الشعب الحر التي ترسخت عبر عقود طويلة من الزمان.
إن الكثيرين يرون في ديمقراطية الكويت فوضى وتعطيل للتنمية دون دراسة حقيقة لأصل المشكلة وسببها، بل هناك من يستشهد بما يجري في الكويت ليبرر حكم بلاده المطلق المستبد.
ولكن الحق أن ما يجري في الكويت من تطاحن سياسي ومبارزات فتاكة وأزمات سياسية أودت بمجلس الأمة عدة مرات وشكلت سبع حكومات في فترة خمس سنوات هي ظاهرة صحية سوف تسفر لا محالة عن الانتقال من الملكية المقيدة التي أرسى قواعدها الشيخ عبدالله السالم، إلى الملكية الدستورية التي سيضع أسسها شباب الكويت الثائر في وجه الفساد السياسي. ولا يمكن تصور العودة إلى الحكم المطلق أبداً.
لذا فإن المطالبة الحقيقة اليوم هي بتبني دستور جديد للبلاد، دستور ينادي به الشعب ويضع مشروعه لجنة منتخبة من الشعب، ثم يعرض في استفتاء تأسيسي على الشعب. دستور يكرس مبادئ الملكية الدستورية، ويقرر حكومة منتخبة، ويكفل تكوين الأحزاب السياسية وفقاً للقانون.
هذا، والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق