الاثنين، 28 نوفمبر 2011

مجرمون طلقاء!

مجرمون طلقاء!
2011-11-29


بينت المذكرة التفسيرية للدستور القطري أن أعضاء لجنة إعداد مشروع الدستور عندما بدأوا عملهم وضعوا تصورات مختلفة لأحكام الدستور، إلا أنهم حرصوا على اختيار ما يتناسب وظروف المجتمع القطري الدينية والتاريخية والثقافية والاقتصادية والعادات والتقاليد الأصيلة، وأن أول أساس أرادوا أن يقوم عليه الدستور هو التأكيد على أن الإسلام دين الدولة وعقيدتها والمكون الأساسي لحضارتها والمصدر الخصب الذي لا ينضب على مر العصور لتشريعاتها وقوانينها، و"أنه لا يجوز أن يصدر تشريع في قطر يخالف المبادئ القطعية الثبوت، قطعية الدلالة من أحكام الشريعة الإسلامية الغراء". وأساس ذلك أن هذه الأحكام تمثل ثوابت الشريعة التي لا تحتمل تأويلاً ولا تبديلاً. وعليه جاءت المادة الأولى من الدستور القطري لتترجم هذا الاختيار وتؤكد هذه الأسس.
وللمزيد من الالتزام بهذا النهج التشريعي ألزم الدستور القطري جميع من يتولى المناصب التي لها علاقة بالتشريع في مراحله المختلفة، من الاقتراح والمناقشة والإقرار والتصديق والإصدار، كسمو الأمير ورئيس مجلس الوزراء والوزراء وأعضاء مجلس الشورى، أن يؤدوا يميناً دستوريةً تتمثل في القسم بالله العظيم أن يحترموا الشريعة الإسلامية والدستور والقانون....
وفي إطار كل ذلك جاء قانون العقوبات القطري في المواد (270) و(272) و(273) منسجماً ومتفقاً مع هذه الأسس الدستورية وهذا النهج التشريعي فنص على عقوبة تصل إلى ثلاث سنوات لكل "من استورد أو صدر أو استخرج أو حضّر خمراً أو شراباً مسكراً" وقرر ذات العقوبة لكل "من باع أو اشترى أو سلم أو تسلم أو نقل أو حاز أو أحرز خمراً أو شراباً مسكراً أو تعامل أو توسط في التعامل فيها بأي وجه بقصد الاتجار أو الترويج"، هذا علاوة على عقوبة تصل إلى ستة أشهر لكل من تعاطى خمراً أو شراباً مسكراً في مكان عام أو هيأ أو أعد محلاً أو منزلاً لتعاطي الخمر أو المسكرات". ويلاحظ من النصوص السابقة مدى إحاطتها بالسلوكيات المجرمة إذ لم تترك فعلاً يتعلق بالخمر والمسكرات إلا نصت على تجريمه، سواء كان مواطناً أو مقيماً، مسلماً أو غير ذلك.
ولاشك بأن المشرع القطري عندما وضع هذه القواعد لم يغب عن ذهنه نهائياً سماحة الإسلام وقبوله للآخر وأن دولة قطر يقيم على أرضها الكثيرون ممن هم ليسوا بمسلمين. فهذه الأمور لم يغفل عنها المشرع، إلا أنه أدرك في الوقت ذاته عدم ارتباط هذه السلوكيات بالعقائد أو الشعائر أو بقبول الآخر أو بالحرية كي يتسامح بها، فالأمر يتعلق بالمجتمع وبالحضارة الإنسانية والثوابت التي تُكرم العقل وتسمو به وتحافظ على المجتمع وتصونه. لذا أكد الدستور في المادة (75) منه على أن "احترام الدستور والامتثال للقوانين الصادرة عن السلطة العامة والالتزام بالنظام العام والآداب العامة ومراعاة التقاليد الوطنية والأعراف المستقرة واجب على جميع من يسكن دولة قطر أو يحل بإقليمها".
في ظل وضوح النصوص الدستورية والقانونية يكون السؤال: لماذا لا تُحرك الدعوى الجنائية ضد مجرمين طلقاء؟ أتوا على الكثير من هذه السلوكيات ومارسوها فاستوردوا، وباعوا واشتروا وسلموا وتسلموا ونقلوا وحازوا وأحرز وتاجروا وروجوا، فافتتحوا محالاً، وأسسوا شركة للتوزيع، والاتجار والتعاطي سواء في الفنادق أو المطاعم أو وسائل النقل أو المطار أو غيره.
ولا حجة لمن يقول إن هؤلاء رُخص لهم أو لديهم تصاريح تجيز لهم فعل ذلك، فهذا كلام مردود، إذ لا ينبغي للتصريح وهو مجرد قرار أن يخالف الدستور والقانون، لأنه يأتي في درجة أدنى منهما، فهو باطل وغير دستوري وغير مشروع. ففي دولة القانون يسري القانون على الجميع ويطبق على الجميع ولا يستثنى منه أحد، وإلا انتهك مبدأ سيادة القانون.
لذا نهيب بالنيابة العامة وقد أقسم أعضاؤها وفقاً للمادة (16) من قانون النيابة العامة "بالله العظيم أن يحترموا الشريعة الإسلامية وقوانين البلاد" بأن تحرك الدعوى الجنائية ضد هؤلاء، احتراماً للشريعة الإسلامية والدستور والقانون.
halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق