الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

هيئة الرقابة الإدارية والشفافية هل ستحقق أهدافها؟

هيئة الرقابة الإدارية والشفافية هل ستحقق أهدافها؟
2011-12-06


في الأسبوع الماضي أصدر سمو الأمير قراراً أميريا بإنشاء هيئة الرقابة الإدارية والشفافية، ومن محاسن الصدف أن يقترن هذا الخبر بخبر حصول دولة قطر على المرتبة الأولى عربياً في مجال الشفافية وفق تقرير منظمة الشفافية العالمية السنوي، وهذه ليست المرة الأولى التي تنال بها قطر هذه المرتبة المتقدمة عربياً، بل وتتفوق بها على دول غربية متقدمة كفرنسا وأمريكا.
ولا شك أن وجود هيئة تعني بنزاهة الوظيفة العامة ومكافحة الفساد واستغلال النفوذ على حساب المصلحة العامة أمر في غاية الأهمية، ويحمد للمشرع القطري تبنيه لهذا الأمر وتخصيص هيئة مستقلة له.
ولكن المطلع على قرار إنشاء الهيئة لابد أن يثير انتباهه اتساع اختصاصات الهيئة وخروجها عن الهدف التي توّجت به المادة الرابعة من قرار إنشاء الهيئة والذي يتمثل في "تحقيق الرقابة والشفافية ونزاهة الوظيفة العامة ومكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله، ومنع وقوع الجرائم التي تمس المال العام أو الوظيفة العامة والعمل على ضبط ما يقع منها..".
فالنص على سبيل المثال على أن للهيئة "البحث والتحري عن أسباب القصور في العمل والإنتاج واقتراح وسائل تلافيها"، وأن للهيئة "الكشف عن عيوب النظم الإدارية والفنية والمالية التي تعرقل السير المنتظم للعمل"، وأن للهيئة "متابعة تنفيذ القوانين والتأكد من أن القرارات واللوائح والأنظمة السارية وافية لتحقيق الغرض منها" وأن للهيئة "الكشف عن المخالفات الإدارية والفنية التي تقع من الموظفين" أو غيرها، يدخل في مجمله في مجال مراقبة الأداء وجودة العمل، ويخرج عن صميم الهدف الذي نص عليه القرار والمتمثل في مكافحة الفساد واستغلال النفوذ وتحقيق النزاهة والشفافية في الوظيفة العامة. وهو أمر يخشى أن يؤدي إلى عرقلة دور الهيئة الحقيقي بسبب تشتتها في أمور لا تدخل في مضمون إنشائها. لاسيما إن عرفنا أن جهدها هذا سوف يوزع على عدد كبير جداً من الوزارات والأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام.
هذا علماً بأن مثل هذه الاختصاصات والمتمثلة بالبحث عن أسباب القصور في العمل والإنتاج أو عيوب النظم الإدارية والفنية التي تعرقل السير المنتظم للعمل أو الكشف عن المخالفات الإدارية والفنية هي من صميم عمل الجهات ذاتها، إذ جاءت التشريعات الخاصة بإنشائها أو بتنظيمها وتعيين اختصاصاتها لتوكلها مهمة وضع الخطط اللازمة لتسيير وتطوير العمل بالجهة ومتابعة تنفيذها تحت إشراف الوزير المختص أو الرئيس المختص، وهو أمر يخضع في نهاية المطاف للرقابة العليا لمجلس الوزراء وفقاً لنص المادة (121) من الدستور القطري التي تبيّن في بندها الخامس بأن من مهام مجلس الوزراء "الرقابة العليا على سير النظام الحكومي المالي والإداري".
لذا كنا نتمنى أن يتم تركيز الجهود على تحقيق الهدف من إنشاء الهيئة وذلك بقصر دورها على الكشف عن استغلال الموظفين لوظائفهم وإساءة استغلال السلطة والمخالفات المالية والمساس بالمال العام والفساد الإداري.
هذا ومن جانب آخر نتمنى أن يؤخذ بمفهوم "الموظف العام" في هذا القرار ما نصت عليه المادة (3) من قانون العقوبات كي لا يقتصر فقط على الموظفين والعاملين من ذوي الدرجات الوسطى والدنيا، بل يتسع أيضاً ليشمل "القائمين بأعباء السلطة العامة" كالوزراء والمسؤولين ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارات والمديرين في الجهات الخاضعة للرقابة.
ونرى من الأهمية، أيضاً، أن يمارس أعضاء الهيئة صلاحياتهم الرقابية في إطار الضمانات المكفولة للموظفين في القوانين والتشريعات الأخرى، فلا يخرج على سبيل المثال ما قررته المادة (14) لأعضاء الهيئة من صلاحية "طلب وقف أو إبعاد الموظف مؤقتاً عن العمل أو الوظيفة"، أو "طلب معاقبة الموظف تأديبياً إذا أخفى بيانات عن عضو الهيئة أو امتنع عن تقديمها أو رفض اطلاعه عليها" عن نطاق أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون الموارد البشرية.
وفي الختام ينبغي التأكيد على أن الشفافية الحقيقية ومكافحة الفساد لا تتم إلا بوجود دعامات الديمقراطية الأساسية من مجلس تشريعي منتخب له حق توجيه الأسئلة للحكومة واستجوابها ومراقبتها سياسياً ومالياً، ومعرفة موارد الدولة وموازنتها والحساب الختامي لها، ووجود إعلام حر، ومنظمات مجتمع مدني معنية بذلك، وقضاء إداري ذو صلاحيات شاملة، وحظر ممارسة الوزراء والمسؤولين للتجارة وكشف ذممهم المالية. لذا ينبغي إعادة النظر في بعض التشريعات المهمة كقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وقانون الفصل في المنازعات الإدارية، وقانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء، وغيرها.
والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق