الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الفساد الكبير وريع المناصب

الفساد الكبير وريع المناصب
2011-10-04


نقلت إلينا الصحف المحلية في الشهر الماضي توقيع دولة قطر والأمم المتحدة على مذكرة تفاهم لإنشاء مكتب يُعنى بدعم جهود مكافحة الفساد في المنطقة العربية، وذلك من خلال مشروع إقليمي متخصص يهدف إلى تقديم المساعدة الفنية المبنية على أفضل المعايير والممارسات الدولية في مكافحة الفساد. وبينت صحفنا بأن هذا المكتب هو الأول من نوعه في المنطقة العربية، وأن هذا الأمر يعد مبادرة مهمة في دفع جهود تعزيز الشفافية والنزاهة وحكم القانون ومكافحة الفساد.
ولا شك بأن هذا الخبر يجرنا للحديث عن واقعنا، مؤكدين ابتداءً ما يؤكده الباحثون في هذا المجال من أنه ليس هناك مدينة فاضلة نقيّة، وأن الفساد موجود في كل المجتمعات والدول، إلا أن نسبته تتفاوت من دولة إلى أخرى وفقاً للمتغيرات المرتبطة به، والتي من أهمها طبيعة النظام السياسي، ومستوى النمو الاقتصادي، والثقافة السائدة في المجتمع. فوجود نظام ديمقراطي مستقر، على سبيل المثال، مبني على سيادة القانون والفصل بين السلطات، مع توافر الشفافية والمساءلة تقلل من ممارسات الفساد إلى مستويات متدنية.
ولو تمعنّا في الفساد في مجتمعاتنا لوجدناه، كما يقول الباحثون، إما فساداً كبيراً أو فساداً صغيراً. فالأول مستنقع يعيش فيه كبار القادة والمسؤولين السياسيين في الدولة، والثاني مستنقع يعيش فيه المسؤولون الإداريون على مستويات مختلفة.
والفساد الكبير يمتد نطاقه ليرتبط بالصفقات الكبرى في عالم المقاولات، وتجارة السلاح، والحصول على توكيلات تجارية لشركات دولية كبرى، ومنح امتيازات لاستغلال موارد أو ثروات طبيعية، ومشاركة كبار التجار في تجارتهم دون المساهمة معهم في رأس المال، وإرساء المناقصات أو العقود الفلكية على شركات أجنبية، وتعيين الأبناء أو الأقارب أو المقربين في المراكز والوظائف العليا، وإضاعة المال العام وهدره واللعب بأملاك الدولة واستثماراتها، وغيرها.
أما الفساد الصغير، فقد ينشأ لتذليل العقبات أمام خدمة تقدمها الإدارة، أو للفوز بمناقصة أو صفقة وإبرام عقد، أو تعيين ذوي القربى أو المصلحة غير المؤهلين في بعض الوظائف العامة، أو الانتفاع الشخصي من الإمكانات المخصصة للإدارة، أو استغلال الموظفين لتأدية أعمال خاصة، أو غيرها.
وقد يزيد الفساد الصغير أو يقل وفقاً للمتغيرين المتعلقين بمستوى النمو الاقتصادي والثقافة السائدة في المجتمع، لذا نجده في مستويات متدنية في بعض الدول الخليجية رغم غياب الديمقراطية عنها. أما الفساد الكبير فقد ينشأ من شعور المتورطين به أن الدولة ملكية خاصة لهم، فهو مرتبط إلى درجة كبيرة بالمتغير الخاص بطبيعة النظام السياسي.
وفي الختام أتمنى أن يحقق مكتب مكافحة الفساد أهدافه وألا يخرجنا من نطاق اهتماماته، كشأن بعض المؤسسات لدينا المعنية بحرية الإعلام والديمقراطية.
والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق