الاثنين، 10 أكتوبر 2011

عُمان من الشورى إلى البرلمان

عُمان من الشورى إلى البرلمان
2011-10-11


في يوم السبت القادم، 15 أكتوبر، سيتجه نصف مليون عماني إلى صناديق الاقتراع ليختاروا من ضمن 1133 مرشحاً من يمثلهم في مجلس الشورى ذي الأربع والثمانين مقعداً. والمتتبع لأخبار المجلس العماني يلاحظ بكل وضوح مدى التطور الذي أُدخل على أحد جناحيه، وهو الخاص بطريقة اختيار أعضاء المجلس، دون الجناح الآخر وهو صلاحيات هذا المجلس.
فقد تطور أسلوب اختيار الأعضاء بشكل ملحوظ من نظام شبيه بالتعيين عام 1991، إلى أسلوب الاقتراع العام السري المباشر عام 2003، وما تخللهما من مرحلة تمكين المرأة لدخول المجلس عام 1997 كأول دولة خليجية تجيز ذلك. علاوة على التطور الذي أصاب عملية الاقتراع من خلال البصمة الإلكترونية التي لا تسمح بأن يدلي الناخب بصوته أكثر من مرة، وغيرها من وسائل التكنولوجيا في العملية الانتخابية.
ورغم ذلك فإن الأمر ما زال متواضعاً بشأن صلاحيات المجلس، والتي لا تخرجه من نطاقه الشوري، إذ لم يقرر له المشرع، على سبيل المثال، الوظيفة الرقابية كتوجيه الأسئلة إلى الوزراء في الأعمال الداخلة في اختصاصاتهم، أو استجوابهم، أو طرح الثقة أو سحبها منهم، كما ليس له وظيفة مالية كإقرار الموازنة العامة أو اعتماد الحساب الختامي أو الموافقة على فرض الضرائب، أو قروض الدولة. أما سلطة التشريع فإن أقصى ما يملكه مجلس الشورى العماني منها هو مراجعة مشروعات القوانين المحالة إليه، بل إن دائرة هذا الاختصاص أخرج منها مشروعات القوانين التي يوصي مجلس الوزراء برفعها مباشرة إلى السلطان.
ومن المتوقع أن يشهد هذا المجلس تطوراً في مجال الاختصاصات في ظل ما أعلن عن منحه صلاحيات تشريعية ورقابية. وما قيل عن لجنة، قد شُكلت في أعقاب المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها السلطنة في فبراير الماضي، تدرس إجراء إصلاحات دستورية حقيقية.
ومن خلال دراستي للنظام الدستوري العماني أرى ما يمكن تقديمه كمقترحات لتطويره. وأبدأ بالوثيقة الدستورية ذاتها والتي تسمى في عمان "النظام الأساسي للدولة"، فقد وضع بأسلوب المنحة دون مشاركة الشعب في إعداده أو إقراره، وهو أمر لا يمكن تجاوزه إن كان الهدف، حقيقةً، هو الإصلاح الدستوري.
علاوة على ذلك فإننا لا نجد في النظام الأساسي الحالي إلا مادة واحدة تتعلق بمجلس الشورى، هي المادة رقم (58) والتي أنشئ استناداً لها "مجلس عمان" بفرعية مجلس الدولة ومجلس الشورى. وقد أحالت المادة المذكورة كل ما يتعلق باختصاصات المجلس ومدته وأدوار انعقاده وطرق اختيار أعضائه للقانون كي يبينها. ورغم أن هذا النظام من الدساتير المرنة والذي يمكن أن تعدل مواده بإرادة السلطان المنفردة، إلا أن معالجة المسائل المتعلقة بمجلس الشورى في صلب الدستور عوضاً عن تركها لقانون عادي أمر قد يبعد العبث بها.
لذا فمن المهم أن ينص صراحة في النظام الأساسي على أن يكون اختيار أعضاء مجلس الشورى بالاقتراع العام السري المباشر، وأن ينص فيه على مدة دور الانعقاد ومدة الفصل التشريعي، وعلى أن تجرى انتخابات المجلس الجديد خلال مدة معينة (كثلاثة أشهر قبل انتهاء مدة المجلس)، وألا يمد الفصل إلا في حالة الضرورة التي يجب أن تحدد صراحة وبدقة. ومن الضروري كذلك أن يضمّن النظام الأساسي القواعد المنظمة لحل مجلس الشورى، بتقرير الضمانات التي تكفل عودة الحياة النيابية للبلاد، كأن يكون مرسوم الحل مسبباً، وأن يتضمن الدعوة لإجراء انتخابات المجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز ثلاثة شهور مثلاً، وأن ينص صراحة على أنه "في حالة عدم إجراء انتخابات المجلس الجديد في الفترة المحددة أعلاه، يسترد المجلس المنحل كافة سلطاته الدستورية، ويستمر في عمله إلى أن يتم انتخاب المجلس الجديد".
أما بشأن التشريع فمما يمكن اقتراحه، على سبيل المثال: منح أي عضو من أعضاء مجلس الشورى حق اقتراح القانون، وعدم الاكتفاء بما يقرره له "نظام مجلس عمان" حالياً من حق اقتراح تطوير القوانين النافذة فقط. وأن يلغى من "نظام مجلس عمان" ما تقرره الفقرة الأولى من المادة (29) منه من جواز عدم عرض مشروعات القوانين على مجلس الشورى للمصلحة العامة. وأن لا يضّعف دور مجلس الشورى التشريعي بتقرير صلاحيات مماثلة "لمجلس الدولة" المعيّن.
أما الرقابة السياسية فيقترح أن يفصل صراحة بين منصب السلطان وبين منصب رئيس مجلس الوزراء، وأن يكون لمجلس الشورى صلاحية توجيه الأسئلة لرئيس مجلس الوزراء والوزراء في الأمور الداخلة في اختصاصاتهم. وأن يكون لمجلس الشورى الأدوات الرقابية الفعالة الأخرى كحق توجيه استجوابات لرئيس مجلس الوزراء أو الوزراء في الأمور الداخلة في اختصاصاتهم، وحق سحب الثقة من الوزراء، وحق طلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء.
أما بالنسبة للوظيفة المالية، أخيراً، فيقترح أن يقرر لمجلس الشورى صراحة اختصاص مناقشة الموازنة العامة والحساب الختامي وإقرارهما وأن يفعّل دور المجلس في ما قررته المادة (57) من النظام الأساسي من موضوعات مالية عديدة تنظم أو تصدر بقانون، وأن ينص صراحة على أن يتم تحديد مرتبات رئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء، وأعضاء مجلس عمان، بقانون.
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق