الاثنين، 24 أكتوبر 2011

من تونس حيث تبث الروح في الجسد العربي

من تونس حيث تبث الروح في الجسد العربي
2011-10-25


ولد العرب أحراراً فاستعبدهم الطغاة في زمن الظلام، وها هي تونس لم تكتف بتوليد الشرارة الأولى التي أحرقت هؤلاء المستبدين في العالم العربي، بل عادت ثانية كي تُحيي الجسد العربي بعد أن انتزع المتجبرون الحرية منه طويلاً.
ففي مطلع هذا الأسبوع عاشت تونس عرساً ديمقراطياً حقيقياً، واخضرت أراضيها ثانية، وجذبت نسمات الحرية المنعشة والعطرة فيها التونسيين نساء ورجالاً إلى صناديق الاقتراع النزيهة، وهم موقنون لأول مرة منذ قيام تلك الجمهورية المزيفة، قبل خمسة وخمسين عاماً، بأن إرادتهم لن تغتصب وأن أصواتهم لن تُسرق، وأن النتيجة غير محسومة مسبقاً وبنسبة 99.99% لصالح المستبد وحزبه.
من يتابع الانتخابات التونسية فلن يُعدم معيناً من الثقافة الدستورية، وأتوقف هنا عند خمس نقاط، أولها: أن هذه الانتخابات تهدف إلى اختيار أعضاء مجلسٍ تأسيسي يرسم الملامح الأساسية لدولة المؤسسات والقانون، ومن أسمى أهدافه صياغة دستور جديد للبلاد. دستور يُكتب بأيدي الشعب، ويعبر عن ضمير الشعب، لكي يحقق طموحات الشعب. دستور مختلف عن دساتير بعض الدول العربية الأخرى التي لبست ثياب الديمقراطية المزيّفة على جسد متقرح مريض.
أما الثانية فإن هذه الانتخابات تجرى بنظام التمثيل النسبي، مع الأخذ بأكبر البقايا. حيث يحصد المتنافسون المقاعد في المجلس وفقاً لنسبة الأصوات التي فازوا بها، ولا تخرج الأقلية صفر اليدين، بل يضمن وصولها إلى المجلس بمقاعد تساوي نسبة ما حصلت عليه. وهو نظام عادل لاسيَّما لاختيار أعضاء مجلس تأسيسي يضع دستوراً للبلاد، ليشترك الجميع في إعداده. ويختلف نظام التمثيل النسبي عن نظام الأغلبية، ففي هذا الأخير يستأثر بالمقاعد المخصصة لدائرة انتخابية ما من فاز بأغلبية الأصوات.
أما الثالثة فإن من تقوم بالإشراف على العملية الانتخابية ليست جهة حكومية تخضع للسلطة ويهيمن عليها فاسدون منتفعون ممن يسبح بحمد الرئيس ويصلي لبقائه، بل هيئة مستقلة يترأسها ناشط حقوقي مستقل هي (الهيئة العليا المستقلة للانتخابات).
أما الرابعة فإن الفوز بالانتخابات بعد أن كان في زمن التزييف حليفاً لحزب واحد مهيمناً على البلاد والعباد مع وجود أحزاب مصطنعة في منافسة وهمية للتلميع الخارجي، فإن الأمر غدا اليوم مختلفا، فأكثر من ثمانين حزبا سياسيا حقيقيا مع آخرين مستقلين ومتحالفين يشتركون في المنافسة.
أما الخامسة، فإنه لأول مرة في عالمنا العربي يسمح فيه بعدد هائل من الملاحظين والمراقبين الوطنيين والأجانب بينهم رؤساء ثلاث دول سابقين ومبعوثون من الاتحاد الأوروبي ومنظمات مجتمع مدني وطنية ودولية وغيرها بمتابعة ومراقبة جميع مراحل العملية الانتخابية ورصد أية تجاوزات قد تحصل من قبل المتنافسين. فنزاهة الانتخابات وضمان عدم تزييف إرادة الشعب هو هدف جميع التونسيين وهو ما ثاروا من أجله، فلن يرضوا بانتزاع إرادتهم بعد اليوم.
هذا، والله من وراء القصد

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق