الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

من أين لك هذا؟ مقال للاستاذ خالد السيد

من أين لك هذا؟
2011-10-13


شهدت الكويت خلال الأسبوعين الماضيين أكبر فضيحة فساد في تاريخها لسنوات مضت. حيث تم اكتشاف مبلغ 25 مليون دينار كويتي أي ما يعادل 90 مليون دولار في حسابات بنكية تعود لاثنين من نواب البرلمان لم يكشف عن هويتهما وفقا لما ذكرته صحيفة (القبس) الكويتية.
وأثبتت التحريات والتحقيقات تورط تسعة أعضاء في البرلمان من أصل خمسين في الفضيحة المالية التي أثارت أزمة سياسية في البلاد والتي أضحت تُعرف (بـووترجيت) الكويت وفقا لما ذكرته صحيفة (نيويورك تايمز). كما أدت الأزمة إلى تحريك مطالبة مجلس الوزراء بالتصديق على مشروع قانون مكافحة الفساد في أعقاب الاحتجاجات الواسعة النطاق التي جرت في هذا الصدد.
وأشارت صحيفة (كويت تايمز) هذا الأسبوع إلى أن لجنة الشؤون القانونية والتشريعية بالبرلمان قد شرعت في مناقشة قانون مكافحة الفساد الذي يدعو للكشف عن الثروات وإنشاء هيئة لمكافحة الفساد.
وتطالب مسودة القانون كلا من رئيس الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين الحكوميين بالإضافة إلى رئيس وأعضاء البرلمان للكشف عن أموالهم وممتلكاتهم قبل وبعد توليهم مناصبهم.
كما حددت المسودة عقوبة سجن تصل إلى سبع سنوات وغرامة مالية لا تتعدى السبعة آلاف دينار كويتي لمن يستغل منصبه العام في التكسب غير المشروع وعقوبة تصل إلى خمس سنوات في السجن كحد أقصى وغرامة لاتتجاوز 3 آلاف دينار لمن يدلي بمعلومات كاذبة عن وضعه المادي. هذا ومن المقرر أن يصبح مشروع القانون جاهزا للتصديق عليه قبل استئناف البرلمان لدورته الجديدة في الخامس والعشرين من أكتوبر.
وكشفت دراسة أجراها مكتب التميز بجامعة الكويت ونقلتها صحيفة (الرأي) الكويتية أن نسبة انتشار الرشوة في المجتمع الكويتي تصل إلى 5 في المئة. وتزيد نسبة انتشارها في القطاع الحكومي 15 في المئة عن القطاع الخاص فيما يحتل موظفو الجمارك والضرائب الصدارة في هذا الصدد.
وفي قطر تلزم المادة 38 من الدستور القديم الوزراء بعدم الانخراط في أنشطة وتعاملات تجارية أثناء توليهم مناصبهم الحكومية. إلا أن الدستور الدائم (الجديد) لم يتضمن مادة مماثلة وليس هناك أية تشريعات واضحة المعالم للالتزام العملي. كما تفتقر قطر لقانون يلزم الوزراء والمسؤولين الحكوميين بالكشف عن أصول ممتلكاتهم قبل وبعد تولي مناصبهم الرسمية.
لذا ينبغي علينا في قطر أن نضع المعايير والإجراءات اللازمة لمكافحة الفساد والكسب غير المشروع خاصة أن انتشار الفساد في أروقة الأجهزة الحكومية في مصر وتونس كان إحدى الشرارات الكبرى التي أدت إلى اندلاع ثورة الربيع العربي فيهما.
وقد أرست العديد من دول العالم القوانين التي تلزم المسؤول العام بالكشف عن بياناته المالية قبل وأثناء وبعد توليه المنصب. وفي الولايات المتحدة يُلزَم كبار الموظفين العاملين بمختلف إدارات الحكومة الفيدرالية بالإدلاء بكشف مفصل عن ثرواتهم وممتلكاتهم. وينص الإقرار المالي على الكشف عن طبيعة ومصدر الأموال والثروات المملوكة وحجم الدخل والهدايا والمبالغ المدفوعة والأصول والممتلكات والتعاملات العقارية وفي مجال الأسهم التي يجريها هؤلاء.
إن وضع الأنظمة والقوانين اللازمة التي تحمل مسؤولي الحكومة مسؤولية تصرفاتهم في قطر ستعمل على الحد من الفساد وإساءة استخدام المال العام خاصة أن البلاد على أعتاب إرساء نظام برلماني ديمقراطي. كما أن من شأن هذه الخطوة أن تحول دون حدوث أزمة سياسية مماثلة لما جرى في الكويت قد تثير موجة من الاحتجاجات العامة.
إن ديوان المحاسبة الذي أنشئ في قطر عام 1973 يمكنه أن يعمل على مراقبة أية معاملات ومخالفات مالية مشبوهة قد يرتكبها الوزراء والمسؤولون الحكوميون. وقد خطت البلاد خطوات كبيرة تجاه إضفاء روح الشفافية على أداء المؤسسات الحكومية ومحاربة الفساد. وقد احتلت قطر المرتبة 19 من بين دول العالم في مجال الشفافية والمرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفقا لمؤشر مؤسسة الشفافية الدولية للكشف عن الفساد.
إلا أننا لا يجب أن نطمئن كثيرا في هذا الصدد خاصة أن العديد من المشاريع الضخمة الخاصة باستضافة فعاليات بطولة كأس العالم عام 2022 قد تشكل سانحة تغري من يطمع في تحقيق مصلحته الخاصة عوضاً عن المصلحة العامة.
إن سن (قانون من أين لك هذا؟) لمكافحة الفساد ونحن لا نزال في المراحل الأولى لإنشاء البرلمان سيكون بمثابة عامل وقائي يجنب حدوث مشاكل مستقبلية على غرار ما حدث في الكويت.
إن قطر بما حققته من مكاسب دولية كبيرة قادرة على تعزيز ثقافة الشفافية في المجتمع بسيرها نحو الالتزام بالمعايير الدولية وإرسائها للنظم والإجراءات المتوافقة مع رؤية 2030.

* رئيس تحرير جريدة البننسولا
khalid@pen.net.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق