الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

سوريا: دستور جديد هل يعيد الثقة بالنظام؟

سوريا: دستور جديد هل يعيد الثقة بالنظام؟
2011-10-18


في إطار جهوده المضنية لإعادة السيطرة على الأوضاع واحتواء ثورة الشعب الثائر من أجل حريته، ومن أجل إطلاع العالم الخارجي بأنه يسير في طريق الإصلاح، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد السبت الماضي قراراً بتشكيل لجنة تتألف من 29 عضواً لإعداد مشروع دستور جديد للبلاد، بحيث تنتهي اللجنة من مهمتها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر من تاريخ صدور القرار. وقد أوضح الأمين المساعد لحزب البعث أن "الدستور الجديد سيُقره ثلثا مجلس الشعب ويطرح على الاستفتاء العام.."..
ويعد الدستور السوري الحالي الذي صدر عام 1973 الدستور الأطول عمراً ضمن سلسلة طويلة من الدساتير عرفتها سوريا منذ 1920، والتي قد يقترب عددها من ثمانية عشر دستوراً بعضها دائمة والأخرى مؤقتة وبعضها مشروعات دساتير لم تر النور.
وقد وضع الدستور الحالي بذات الطريقة التي وضعت بها دساتير البعث في سوريا ومختلفة عن دساتير العهد السابق عليه والتي كان للشعب رأيٌ فيها من خلال جمعية أو مجلس تأسيسي منتخب. ولا يغير من الأمر شيئاً القول إن الدستور الحالي لم يقر إلا بعد موافقة الشعب عليه في استفتاء 1973، ذلك أن مشروعه وضع من قبل مجلس الشعب المنقى والمزكى من قبل القيادة القِطرية للحزب، كما أن أسلوب الاستفتاء في الدول المستبدة، غالباً، ما تنتزع فيها النتيجة لصالح السلطة المسيطرة على زمام الأمور في البلاد، ولتصل في أغلب الأحيان إلى ما يفوق 90 بالمائة!
ولعل أبرز ما أثير في شأن الدستور الحالي هو نص المادة الثامنة التي تؤكد بأن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة....".، وما تفرزه هذه المادة من إلغاء للتعددية السياسية والتمييز بين المواطنين في الحقوق السياسية وفي تولي المناصب الدستورية والمدنية المختلفة.
وفي معرض الإجابة عن سؤال المقال: هل إصدار دستور جديد في سوريا يعيد الثقة في النظام؟ تذكرت ما نُقل عن الفيلسوف والقانوني الإنجليزي "جون أوستن" قبل أكثر من مائة وخمسين عاماً من إنكاره الصفة القانونية للدستور، بزعمه أن من خصائص القانون كون قواعده عامة مجردة وملزمة، وأن الدستور وإن كانت قواعده عامةُ مجردة، إلا أنها غير مُلزمة. فالدستور يأتي لكي ينظم الحكم في الدولة ويحدد اختصاصات الحاكم وسلطته وحدود السلطات العامة الأخرى في الدولة، ولما كانت مخالفة هذه القواعد من قبل الحاكم لا تقترن بجزاء، فالدستور إذن ليس بقانون لفقده خاصية الإلزام.
وبعيداً عن مدى صحة ما ذهب إليه "جون أوستن" من عدمه، فإننا نرى أن الدستور كأي قانون آخر لا يمكن أن تحترم قواعده وتطبق إلا إذا وجد في دولة القانون والمؤسسات التي تعتبر الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أهم مقوماتها. وتعتبر سيادة القانون والشعب والفصل بين السلطات أهم مبادئها، والتي تفرز حكّام أسوياء يخشون فقدان مكتسبات الأمة الحضارية إن هم لم يحترموا القواعد الدستورية.
فإصدار دستور جديد في سوريا لن يعيد الثقة للنظام طالما لم تُرسخ بيئة قانونية مؤسساتية. والدستور الجديد سيكون مثل سلفه القديم الذي عُدّل بجرة قلم ليتوافق شرط السن مع عمر الرئيس بشار الأسد، تمهيداً لتوليه الحكم بعد والده، في دولة تزعم أن نظامها جمهوري مبني على التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.
هذا، والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق