الاثنين، 19 ديسمبر 2011

أنا عربي.. وافتخر

أنا عربي.. وافتخر
2011-12-20


كان النظام الأساسي المؤقت المعدل لدولة قطر، (الدستور السابق الذي وضع في بداية السبعينيات من القرن الماضي)، يحتوي نصوصاً جميلة تؤكد إيماننا "بأخوة العرب جميعاً" وبأن "الاتحاد بين الدول العربية ضرورة مصيرية"، وأن الدولة سوف "تكرس كل ما يمكن من جهودها لتأييد ذلك الاتحاد والعمل على تحقيقه في أنسب صورة تجمع بينها وبين تلك الدول الشقيقة التي تربطها بها أعمق الروابط جذوراً وأكثرها قوة وأشدها أصالة". (انظر البندين (ب)، و(جـ) من المادة (5) من النظام). هذه النصوص لم يؤكد عليها في الدستور الدائم (الحالي)، لكن هذا الأخير مازال والحمد لله محتفظاً بما جاء في النظام الأساسي، بأن "قطر دولة عربية"، "ولغتها الرسمية هي اللغة العربية" وأن "شعب قطر جزء من الأمة العربية".
ولاشك بأن حلم الاتحاد العربي الذي كان يسود الأجواء العربية في ذلك الزمن وأكدت عليه دساتيرها الصادرة في تلك الفترة لم يتحقق ولم يكن له أن يتحقق بسبب بسيط هو عدم اتحاد حكومة كل دولة عربية داخلياً مع شعبها ابتداءً. فاتحاد هذه الدول يقتضي أن يكون الشعب في كل منها هو صاحب السيادة فيها، وبما أن هذا كان مفقوداً، لذا أصبح حلم من يحكم تلك الدول يختلف عن حلم الشعب العربي، فالحاكم حلمه أن يبقى مسيطراً مستبداً متميزاً متفرداً، والاتحاد العربي لا يُحقق له ذلك ويفقِده مكانته التي سرقها ظلماً باسم الشعب.
وبعيداً عن حلم الاتحاد العربي الذي كان إيماناً راسخاً في القلوب فتزعزع ثم تفتت ثم تبخر شيئاً فشيئاً، فإن "عروبة الدولة" التي هي حقيقة وكانت حقيقة فعلاً، يجب ألا تنسحب من الواقع شيئاً فشيئاً وتتحول إلى حلم تتنهد بذكراها نفوس المواطنين وتدمع قلوبهم لأفولها.
وأرى بأن عروبة الدولة لا يمكن المحافظة عليها إلا إذا أصبحت اللغة العربية هي السائدة في معاملاتنا وتعاقداتنا واجتماعاتنا ومخاطباتنا وكتبنا ومناهجنا وجامعاتنا وشؤوننا العامة، فاللغة العربية التي استوعبت في الماضي علوم اليونان والروم والفرس والهند وكتب علمائها وفلاسفتها تستطيع أن تستوعب اليوم المصطلحات العلمية والفنية والتقنية، واللغة العربية التي أثرت على لغات الشعوب في الماضي فتكلم سكان تلك البلاد بها واتخذتها لغة لها وأحرفاً لكتابتها، غير عاجزة عن مواكبة التطور والعلم والتكنولوجيا.
إذن ما هي المشكلة؟ هل هي ثقافة المنتصر تتطلع إليها نفوس الدول المغلوبة؟ أم هي عقدة الأجنبي في أنفسنا التي تحجب النظر إلى ما عداه؟ أم أن اللغة العربية لم تعد لغة العلم والتطور والحضارة؟ فإن أردنا أن نتقدم، وجب استخدام لغة صالحة للتقدم.
يقول مالك بن نبي على لسان أحد المصلحين: "أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم"، وأقول: أخرج المهانة والذل وتحقير الذات من نفسك تكن قوياً متقدماً مبصراً. فالزعم بأن لغتنا غير صالحة للتقدم ما هو إلا وَهَمْ غُرس في نفوسنا فصدقناه، وإلا ما هو تفسير اعتزاز كل الدول المتقدمة اليوم بلغاتها تستخدمها في مدارسها وشؤونها العامة ومعاملاتها المختلفة، ولم تقف عائقاً دون تقدمها وحضارتها، كما لا يستطيع أحد أن يزعم أن اللغة الإنجليزية هي سبب تقدم هذه الدول.
وليس غائباً عني في هذا المقام أهمية تعلم اللغات للتبادل والاحتكاك الثقافي والحضاري، وليس غائباً عني أيضاً أن اللغة الإنجليزية أصبحت اللغة الأساسية في المعاملات التجارية والمالية، لكن هذه أمور يمكن احتواؤها والتعامل معها بقدرها وضمن حدودها.
ويجب التأكيد هنا على حقيقة مهمة جداً هي: أن اللغة العربية باقية ما بقيت البشرية فهي محفوظة بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم الذي أنزله على النبي العربي المبعوث لجميع البشر بجميع أجناسه وأعراقه ولغاته، أنزله "بلسان عربي مبين". فإن كانت هذه حقيقة فلنجعل التاريخ يشهد لنا بأننا عززنا هذه اللغة ولم نضعفها، كما شهد التاريخ من قبل بأن الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان عرب الدواوين بعد أن كانت بالفارسية في العراق واليونانية في مصر والشام، وكما شهد التاريخ للخليفتين الرشيد والمأمون بعد تأسيس بيت الحكمة الذي كان مكتبة ومرصدا لترجمة الكتب من مختلف العلوم كالطب والكيمياء والفلسفة ومن مختلف اللغات إلى اللغة العربية.
وقد تميزت قطر بمناصرتها شعوب الدول العربية ووقوفها بجانبهم ضد الاستبداد، وهي مؤهلة حقاً كي تتميز في نُصرة اللغة العربية. فلتنشئ قطر مؤسسة ضخمة للترجمة ومجمعاً للغة العربية، تكون رؤيتها خلالها واضحة ورسالتها واضحة مبنية على أساس دعم اللغة العربية وجعلها لغة العلوم والمعرفة والتقدم، وتقوم في هذه المؤسسة بترجمة أهم الكتب والأبحاث في مختلف العلوم والآداب والفنون ومن مختلف اللغات إلى اللغة العربية. ولضمان جودة الترجمة وسرعتها ومواكبتها للتطور السريع للعلم والتكنولوجيا، فإن الأمر يقتضي أن تقف الدولة وراءه بقوة، فتصدر هذه الترجمات وتُحَدثها وفقاً لتطورها وتوزعها إلكترونياً وورقياً وتدعم بها المكتبات العامة في مختلف الدول العربية. إن هذا الأمر يجعل قطر منارة للعلم والمعرفة وداعمة حقيقية للغة العربية وسوف يشهد التاريخ أنه تم ذلك لسمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني كما شهد من قبل لعبدالملك بن مروان وهارون الرشيد والمأمون.
أمر آخر سوف يدعم اللغة العربية في دولة قطر العربية هو الاعتماد على العرب الأكفاء. فأمة قوامها نصف مليار ويعيش الكثير من أبنائها كعلماء وأساتذة وباحثين في الدول الغربية لن تعدم أن تمدنا بالنخب ليسدوا الفراغ في المجالات التخصصية المختلفة بدلاً من الاعتماد على الغربيين، فلتكن قطر حاضرة العرب كما كانت بغداد والقاهرة وغيرها حواضر تجذب العلماء والمفكرين إليها فيقيموا فيها ويتركوا للبشرية تراثاً هو أساس التقدم الحضاري في مختلف العلوم اليوم.
كما يمكن لدولة قطر أن تتبنى أفضل المتفوقين علمياً وخلقياً من طلبة الثانوية العامة في مدارس الدول العربية الأخرى الذين تتوافر فيهم شروط الالتحاق في جامعة قطر وجامعات المدينة التعليمية، فتتكفل بمصاريف دراستهم وإقامتهم، وفق خطة مدروسة لدمجهم في المجتمع القطري، وتطبيق المادة (6) من قانون الجنسية القطرية عليهم، التي تجيز لسمو الأمير "منح الطلاب النابغين ذوي القدرات العلمية الواعدة وبناء على مقتضى المصلحة العامة الجنسية القطرية". فإن كانت قطر قليلة في عدد شعبها، "ولا تقوم حضارة دون شعب" فإن عمقها العربي بعيد ومتجذر ويصلح أن يكون أساساً لبناء الحضارة.
وأخيراً، أجد نفسي في غاية السعادة والسرور بسبب مصادفة اليوم الوطني لدولة قطر، اليوم العالمي للغة العربية الذي قررته منظمة الأمم المتحدة ليكون في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، وهو التاريخ الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة رقم (3190 (د – 28) في عام 1973 بجعل اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية الست للجمعية وهي العربية والانجليزية والفرنسية والروسية والصينية والإسبانية، وقد جاء في ديباجة هذا القرار "أن الجمعية العامة تدرك ما للغة العربية من دور هام في حفظ ونشر حضارة الإنسان"، فهل هو فأل حسن يكشف لنا دعم قطر للغة العربية؟ نتمنى ذلك.

halsayed@qu.edu.qa

هناك تعليق واحد:

  1. يقول مالك بن نبي على لسان أحد المصلحين: "أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم".. أعجبني

    يقول بشار بن برد:
    لقد اسمعت إذ ناديت حياً
    ولكن لاحياة لمن تنادي

    لا تنهض أمة أو حضارة إلا بلغتها وليس بلغة أجنبية..
    فاللغة العربية جميلة وغنية بمعانيها..
    ويكفي أنها لغة القرآن وأهل الجنة..
    وأنا معك في اقتراحك الرائع..
    ولكــــن..!!

    التوجه والولاء للأجنبي فقط..
    والله المستعـــااان..!!

    ردحذف