الاثنين، 26 ديسمبر 2011

أملاك الدولة.. بين الحماية وشرعنة الاعتداء عليها

أملاك الدولة.. بين الحماية وشرعنة الاعتداء عليها
2011-12-27


في الأسبوع الماضي أنشأ سمو نائب الأمير لجنة حماية أملاك الدولة برئاسة سعادة وزير الدولة لشؤون الداخلية، تهدف إلى حماية أملاك الدولة ومنع التعدي عليها. ولا شك أن إنشاء مثل هذه اللجنة أمر جميل للغاية ويصب في المصلحة العامة ويضع لبنة جديدة في بناء دولة القانون. كما أن اختيار وزير الدولة لشؤون الداخلية سعادة الشيخ عبدالله بن ناصر لرئاسة هذه اللجنة أمر جميل آخر، لما عرف عن هذا الرجل من صدق وإخلاص وإبداع وإتقان انعكس على عمله حقاً، فذهب في مهام وزارته إلى مصاف الكمال.
وأملاك الدولة التي جاء إنشاء هذه اللجنة لحمايتها تنقسم إلى أملاك عامة وأخرى خاصة. فأملاك الدولة العامة هي العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة والتي تكون مخصصة للمنفعة العامة بالفعل أو بموجب تشريع. ومن أمثلتها ما قررته المادة (3) من قانون رقم (10) لسنة 1987 كشواطئ البحر، والشوارع والطرقات والموانئ والمرافئ والمراسي وخطوط النقل والمواصلات والآثار والمتاحف والمكتبات العامة وغيرها. أما أملاك الدولة الخاصة فهي التي تكون مملوكة للدولة أو لأحد أشخاص المعنوية العامة ولكن لا تكون مخصصة للمنفعة العامة أو انتهى تخصيصها للمنفعة العامة.
ومن أمثلتها الأراضي التي لا مالك لها والتي تقع داخل حدود المدن والقرى أو خارجها والقطع المتروكة من أملاك الدولة العامة كفضلات الطرق والمساحات العامة وغيرها مما جاء في المادة (9) من قانون أملاك الدولة الخاصة والعامة.
والحماية التي قررها القانون لأملاك الدولة تتمثل في أنه لا يجوز التصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرفات القانونية أو الحجر عليها أو تملكها بالتقادم أو سحب أي حق عيني عليها، أو حيازتها أو استغلالها بأي وجه، وأن أي أمر يتم بالمخالفة لذلك يقع باطلاً ويجوز إزالته إدارياً.
ولكن هذه الحماية المقررة قانوناً لأملاك الدولة ترد عليها استثناءات، قد تذهب بقيمتها، إذ يجوز بمرسوم أن يمنح لشخص طبيعي أو معنوي امتياز بالانتفاع أو باستغلال مال معين من أملاك الدولة العامة، كما يجوز بمرسوم الترخيص بالانتفاع بأملاك الدولة الخاصة. علاوة على أن القانون يجيز للحكومة أن تتنازل عن الحماية المقررة لأملاك الدولة بموجب اتفاق أو تعهد.
ولا شك بأن التصرف في أملاك الدولة أمر قد تقتضيه ضرورات المصلحة العامة والعمل وإدارة واستثمار أملاك الدولة بشكلٍ أمثل، ولكن ترك هذا الأمر للترخيص أو للأداة التشريعية (مرسوم) أمر تكمن فيه خطورة قد تجعل الاعتداء على أملاك الدولة أو توزيعها أو إهداءها مشروعاً. لذا كان من الأفضل أن يجاز ذلك بالأداة التشريعية (قانون)، وهي أداة يشترك مجلس الشورى في سنها ولا تنفرد بوضعها السلطة التنفيذية، لاسيما إن كان مجلس الشورى منتخباً وبه أعضاء يمثلون الشعب، علاوة على ما يمتاز به القانون كأداة تشريعية من علنية في مناقشة مشروعاته ونشره في الجريدة الرسمية.
بقي أن نقول إن فاعلية دور لجنة حماية أملاك الدولة التي أنشئت في الأسبوع الماضي سوف تتوقف على مدى التعامل مع جميع الانتهاكات والتجاوزات على القدر ذاته دون محاباة أو غض للطرف. فلا يغفل، على سبيل المثال، عن فلان الشريف لسرقته مئات الكيلو مترات المربعة ووضع يده عليها، ويمسك بفلان الضعيف لأنه اعتدى على الأرض المجاورة لمنزله بأن أقام عليها خيمة يستقبل بها ضيوفه أو "طبيلة" تستظل بها سيارته. ونستهدي بهدي النبي صلى الله عليهم وسلم ونستشهد بما قال: ((يا أَيُّهَا الناس إنما ضَلَّ من كان قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وإذا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عليه الْحَدَّ وأيم اللَّهِ لو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يدها)).
وهذا فعلاً ما نلتمسه في سعادة وزير الدولة لشؤون الداخلية الذي لا تأخذه في الحق ولا في تطبيق القانون لومة لائم.. والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا دكتورنا الفاضل و أنا متفق معك بقوة و أحببت فيك الجرأة .

    ردحذف