الاثنين، 25 أبريل 2011

دساتير في دول ذات أنظمة غير دستورية

دساتير في دول ذات أنظمة غير دستورية
2011-04-26


لكي تكون الدولة ذات نظام دستوري لا يكفي أن يكون لها وثيقة دستورية تضم مبادئ أساسية تنظم الحكم والسلطات العامة فيها وتؤكد على كفالة الحقوق والحريات لمواطنيها، وتزعم أن نظامها ديموقراطي وأن الشعب مصدر السلطات، وأن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات العامة، بل ينبغي أولاً: أن تنبع هذه المبادئ والقواعد من ضمير الشعب، وأن تكتب بأيدي الشعب، وأن تعتمد بموافقة الشعب، وثانياً: أن يؤمن العاملون على تنفيذها بقدسيتها وبوجوب احترامها، بما يضمن تطبيقها في الواقع العملي، ولا خلاف بعد ذلك إن جاءت هذه المبادئ والقواعد في وثيقة رسمية تسمى "الدستور" أو كانت مجرد قواعد عرفية تشكلت عبر الزمان، فدولة كبريطانيا ليست لديها وثيقة رسمية تسمى دستور، ولكن لا ينكر أحد من رجال القانون والسياسة أنها دولة ذات نظام دستوري.
أما الدول ذات الأنظمة غير الدستورية، فهي على ثلاث صور: فإما دولة ليست لديها وثيقة دستورية، ولا تعرف إلا الحكم المطلق، أو دولة لديها وثيقة دستورية ولكن هذه الأخيرة وضعت لتكرس الاستبداد والانفراد في الحكم دون مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي، أو دولة لديها وثيقة دستورية تحتوي نصوصاً ومبادئ استقت من أفضل الممارسات الديموقراطية في العالم، ولكن هذه النصوص مجرد مواد خاوية، فارغة من معناها، لم يساهم الشعب في وضعها، ولم يؤمن الحاكم بقدسيتها، ولم يدرك أهمية معناها، بل هي نصوص اقتبست من هنا وهناك، وزينت بها صفحات الوثيقة للتجميل الخارجي مع بقاء الداخل سقيماً مريضاً، وعند أول تعارض بين مصالح الحاكم وبين هذه النصوص الدستورية تستبدل أو تعدل أو تهجر أو تعطل.
فوجود الوثائق الدستورية في دول الحكم المطلق لا تحول أنظمتها إلى أنظمة دستورية، لذا، وفي خضم الثورات العربية لم يلق المجتمع الدولي ولا الشعوب الثائرة أهميةً لتصريح سيف الإسلام بن القذافي بأن "ليبيا لن تعود كما كانت وأن عصر الجماهيرية الأولى ولّى وأن الدستور الجديد لليبيا جاهز". أو إعلان علي عبد الله صالح "تمسكه بالدستور اليمني للوصول إلى تسوية للأزمة"، أو قبل هذا وذلك بيان مبارك عدم حل مجلس الشعب المصري وأهمية إبقائه لاشتراط الدستور وجوده عند إجراء أي تعديل على مواده.
إن إصدار دولة ما وثيقةً دستوريةً لها، أمر مهم وله فوائده، ولكن الأكثر أهمية وفائدة أن يتمتع أفراد الشعب بالمواطنة الحقيقية والتي تقتضي كفالة حقوقهم وحرياتهم على قدم المساواة بينهم جميعاً، وأن يكونوا أصحاب القرار دون وصايةٍ عليهم من أحد، فلم يكونوا يوماً غير مميزين أو قاصرين سياسياً أو ذوي عتهٍ أو جنون لا يصلحون للمساهمة في تصريف شؤون البلاد والحكم.
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق