الأحد، 3 أبريل 2011

المسودة: الإطار السياسي والتشريعي

المسودة: الإطار السياسي والتشريعي
2011-03-15


 في الأسبوع الماضي تطرقنا إلى بعض العناصر التي قد تساهم في المحافظة على المال العام من الهدر أو السرقة أو الضياع، وهي عناصر لم يتعرض لها الدستور القطري الحالي رغم أهميتها في فرض الحماية للمال العام، وفي التأكيد على أن المال "مال الدولة" وليس مال الحاكم أو الحكومة، لذا فإن الصرف والمنح والهبة والعطاء لا يكون إلا "بقانون" و"وفقاً للقانون" الذي هو في أساسه أداة تشريعية يشترك مجلس الشورى في صنعه، وتتوافر فيه الشفافية حيث يناقش تحت قبته، ثم ينشر في الجريدة الرسمية فيعرف الجميع ما هي مخصصات الوزير وما هي مرتبات "الخفير"، وأين تستثمر أموال الدولة أو مع من، ولماذا!، ويُراقب الصرف والإنفاق، ويشترك الشعب في الموافقة على المعاهدات التي تتعلق بأراض الدولة أو التجارة أو التي تُحمل الدولة نفقات لم ترد في الموازنة العامة. ويثق الجميع بأن أملاك الدولة لا يتم التلاعب بها، وأن الأراضي ذات المواقع الإستراتيجية كمنطقة الأبراج، أو على الشواطئ الآخذة أو بين الرياض والواحات أو بعيداً كشقق في العواصم المستقبلة للاستثمارات، لا تذهب كعطايا أو هبات للأقربين أو المقربين.
واليوم أرى بأن الإطار المالي ذو العناصر العشرة الذي ذكرناه سابقاً لا يحقق أهدافه إلا إذا أحيط بإطارين مكملين له، أحدهما سياسي والآخر تشريعي، وهذان الإطاران يتمثلان في عناصر أرى كذلك بأنها تحتاج إلى مراجعة، لذلك أطلقت عليها (المسودة)، آخذاً بعين الاعتبار أيضاً بأن الدستور القطري لا يمكن اقتراح تعديل مواده إلا بعد مضي عشر سنوات من تاريخ العمل به. وتتمثل هذه العناصر فيما يلي:
أولاً: يقرر الدستور الحالي أغلبية صعبة التحقيق في الواقع العملي لاتخاذ بعض القرارات المهمة من قبل مجلس الشورى كقرار سحب الثقة من الوزير، أو قرار فرض مشروع القانون في حال رفض التصديق عليه!، وهذه الصعوبة تنجم بسبب طريقة تشكيل مجلس الشورى حيث تنص المادة (77) من الدستور الحالي بأن عدد أعضاء مجلس الشورى هو 45 عضواً، يتم اختيار ثلاثين منهم عن طريق الشعب في انتخابات عامة ومباشرة وسرية، أما الخمسة عشر الآخرين فيعينهم الأمير، وهو من يملك إعفاءهم كذلك. فعندما يشترط الدستور لاتخاذ مثل تلك القرارات موافقة ثلثي أعضاء المجلس، فإنه من الصعوبة أن لم يكن من الاستحالة الوصول إلى هذه الأغلبية بسبب إغراق المجلس بالأعضاء المعينين، فخمسة عشر عضواً معيناً في مجلس يتآلف من خمسة وأربعين أمر غير مقبول إذا أردنا تفعيل دوره، واشتراط تلك الأغلبية يجعل دور المجلس شكلي لصعوبة تمكنه من فرض أي قرار لا ينسجم مع إرادة الحكومة، فالثلث المعين مرتبط أدبياً بمن له الفضل في تعينه ومن يملك إعفاءه وتسريحه، لذا يتضامن معه إما تأدباً أو طمعاً في الاستمرار في "برستيج العضوية"، لذا أرى بأن تعدل هذه المادة اما بتقرير أغلبية أبسط كأن تتخذ القرارات بأغلبية أعضاء المجلس، أي (51 %) عوضاً عن الثلثين، أو بزيادة عدد المنتخبين، وتقليص عدد المعينين.
ثانياً: أن يعاد النظر في تبعية بعض المؤسسات والهيئات العامة، التي وفقاً لوضعها الحالي ستكون بعيدة عن الرقابة السياسية لكون الدستور لا يقرر لمجلس الشورى إلا مساءلة الوزراء دون غيرهم، لذا يفترض أن تلحق المؤسسات والهيئات العامة بوزراء يمكن مساءلتهم سياسياً عن أعمال هذه الجهات. ومن جانب آخر، لا يجوز إلحاق أي مؤسسة أو جهة بسمو الأمير مباشرة، عدا تلك التي تعينه بالرأي، لأن ذاته مصونة لا تمس، ولأن تبعية هذه الجهات بسموه يجعلها محصنة عن الرقابة السياسية. وهذا الأمر يفترض أن يسري كذلك على سمو ولي العهد، لكونه أمير المستقبل، ولكونه ينوب عن الأمير في فترة غيابه. وأن يعاد النظر كذلك في قانون المؤسسات الخاصة ذات النفع العام، بحيث تدرج المؤسسات التي نشأت وفقاً لقواعده، تحت رقابة وزير الشؤون الاجتماعية، ويسأل هذا الأخير سياسياً عنها أمام مجلس الشورى.
ثالثاً: إعادة النظر في المادة (118) من الدستور لكونه يجيز لرئيس مجلس الوزراء علاوة على القيام بمهام منصبه تقلد مهام إحدى الوزارات الأخرى، أي أن يكون رئيساً للمجلس ووزير في ذات الوقت. فهذا الأمر يحتمل اتجاهين، كلاهما غير مقبول دستورياً، أما القول بإمكانية استجواب رئيس مجلس الوزراء كوزير وعدم إمكانية استجوابه كرئيس مجلس الوزراء، وهو أمر فيه من التناقض ما فيه، إذ يجعل الشخص يستمر في عمله كرئيس لمجلس الوزراء، رغم عدم استمراره كوزير في حال سحب الثقة منه، فمن لم يمنح الثقة للأدنى، لا يصلح لمنح الثقة للأعلى!، أو القول بعدم إمكانية توجيه الاستجواب له كرئيس مجلس الوزراء وكوزير أيضاً وهنا تصبح الوزارة التي يتقلد مهامها محصنة من الرقابة السياسية.
رابعاً: إعادة النظر في المادة (81) من الدستور الدائم التي تجيز التمديد للفصل التشريعي في "حالة الضرورة" لمدة قد تصل إلى فصل تشريعي، أي أربع سنوات أخرى، بتعبير آخر تتيح هذه المادة عندما تقرر الحكومة أن هناك حالة ضرورة إبقاء نفس أعضاء مجلس الشورى رغم انتهاء الفصل التشريعي وحلول موعد انتخابات المجلس الجديد. وتتمثل خطورة هذا الأمر في جانبين، أولهما هو إمكانية استغلال هذا الأمر لإبقاء أعضاء المجلس أطول وقت ممكن عندما يكون هؤلاء أكثر قرباً للحكومة أو لسياستها أو موالين لها، والجانب الآخر في كونه يصادر حق المواطنين في إعادة النظر في ممثليهم في المجلس وانتخاب غيرهم. ويمكن معالجة هذا الأمر بتحديد حالات معينة واضحة للتمديد للفصل التشريعي وعدم تركها لمصطلحات، مثل "المصلحة العامة" أو "الضرورة" ومن جانب آخر ألا يتجاوز التمديد في أي حال من الأحوال سنة واحدة، وليست أربع سنوات كما يقرره الدستور الحالي.
وللحديث بقية إن شاء الله، في عرض عناصر الإطارين السياسي والتشريعي.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق