الأحد، 3 أبريل 2011

المسودة: الإطار التشريعي

المسودة: الإطار التشريعي
2011-03-22


في محاولة لإلقاء الضوء على بعض النصوص الواردة في الدستور الدائم لدولة قطر والتي قد تخل بالتوازن النسبي المطلوب بين السلطات العامة في الدولة، تناولنا في الأسبوعين الماضيين الإطار المالي والإطار السياسي والتشريعي لمسودة يمكن دراستها ومراجعتها تحقيقاً لمبدأ جوهري أكد عليه الدستور ويتمثل في أن “ الشعب مصدر السلطات” واليوم نكمل ما بدأناه في الأسبوع الماضي بشأن الإطار التشريعي وذلك ببيان هذه العناصر:
أولاً: يقرر الدستور الدائم لأعضاء مجلس الشورى حق اقتراح القوانين، على خلاف ما ذهب إليه النظام الأساسي المؤقت المعدل الذي كان يقصر هذا الحق على مجلس الوزراء، فله وحده حق اقتراح القوانين. وحسناً فعل الدستور الدائم بتبنيه هذا الأمر، فسن التشريعات في الأساس من أهم اختصاصات البرلمان، ومن غير ذلك يحرم هذا الأخير من آلية المبادرة في سن القوانين. ورغم ذلك نجد المادة (105) من الدستور بعد أن أكدت هذا الحق لمجلس الشورى فرضت وصاية غريبة على الاقتراحات المقدمة من أعضاء مجلس الشورى! إذ اشترطت أحالتها إلى الحكومة لتقوم بدراستها وإعادتها ثانية للمجلس في ذات دور الانعقاد أو في الدور الذي يليه، وهذا أمر فيه من التطويل ما فيه، وتجعل آلية سن التشريع إذا جاء من طرف مجلس الشورى بطيئاً، لذا يقترح إلغاء هذا الإجراء، فالسلطة التنفيذية ينبغي أن يقتصر دورها بشأن القوانين في التصديق والإصدار والنشر في الجريدة الرسمية.
ثانياً: لم يحدد الدستور القطري فترة معينة ينبغي خلالها للسلطة التنفيذية أن تصدق على القانون وأن تصدره بعد رفع مشروعه إليها من مقبل مجلس الشورى، على خلاف العديد من الدساتير التي تحدد فترة زمنية لذلك كأن يكون ثلاثين يوماً على سبيل المثال، فإذا لم يصدر اعتبر القانون حكماً قد صدق عليه وصدر. لذا يقترح إضافة العبارة المحددة لفترة زمنية معينة يصدر خلالها القانون بعد رفع مشروعه إلى الأمير، فالقول بغير ذلك يجعل مشروع القانون الذي وافق عليه الشعب من خلال ممثليه في المجلس في مهب النسيان أو التناسي.
ثالثاً: تجيز المادة (106) من الدستور الدائم لسمو الأمير إيقاف العمل بالقانون الذي وافق على مشروعه مجلس الشورى بأغلبية ثلثي أعضائه بعد رده إليه في المرة الأولى. وهو أمر خطير للغاية إذ يجعل دور مجلس الشورى بشأن سن التشريعات شكلي للغاية، وغير فعال، فما قيمة القانون الذي وافق الشعب على مشروعه من خلال ممثليه في البرلمان، وأصر عليه ثانية بأغلبية كبيرة تتمثل بثلثي أعضاء المجلس، إذا كان بإمكان السلطة التنفيذية إيقافه لضرورة تقدرها هي، دون تحديد لمفهوم الضرورة، كما أن المدة التي يوقف بها العمل بالقانون غير محددة، إذ يمكن أن يوقف العمل به إلى مالا نهاية. لذا ينبغي أن يلغى هذا النص أساساً من الدستور.
رابعاً: عالجت المادة (70) من الدستور القطري مشكلة عدم انعقاد مجلس الشورى وكانت هناك حاجة لإصدار قانون ما، إذ أتاحت لسمو الأمير في الأحوال الاستثنائية التي لا تحتمل التأخير ولا تحتمل الانتظار إلى حين عودة مجلس الشورى، أن يصدر مراسيم لها قوة القانون على أن تعرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الشورى صاحب الاختصاص الأصيل في سن التشريعات عندما ينعقد ثانية في أول اجتماع له. والمادة (70) رغم إدراكها أن مجلس الشورى هو صاحب الاختصاص الجوهري بشأن سن القوانين إلا أنها للأسف أضعفت من هذا الدور، ولنا في ذلك عدة ملاحظات: 1- لم ترتب المادة أي جزاء بشأن هذه المراسيم بقوانين إذا لم تعرض على المجلس أو تعمد عدم عرضها في أول اجتماع، بأن تعتبر كأن لم تكن مثلاً في حال عدم عرضها من قبل الحكومة.
2- اشترطت المادة أغلبية صعبة التحقيق في حالة رفض المجلس لهذه المراسيم بقوانين، وهي أغلبية ثلثي الأعضاء! فالقانون أساساً يتم المرافقة على مشروعه أو رفضه بأغلبية بسيطة هي أغلبية الأعضاء الحاضرين، فكيف يشترط الدستور بشأن المرسوم بقانون أغلبية أكبر، فكأنه بذلك أعطى المراسيم بقوانين قوة أكبر من القوانين، رغم تأكيده بأن لها ذات القوة، وكأننا وقعنا في تناقض هنا! 3- افترضت المادة أنه في حال مرور أربعين يوماً على عرض هذه المراسيم بقوانين على مجلس الشورى دون أن يبدي رأياً فيها، بأن ذلك موافقة ضمنية من طرفه، فكأن الدستور في هذا الأمر اتبع أسلوبين مختلفين لإبداء الرأي في المراسيم بقوانين، فإذا كان رأي المجلس يذهب إلى الموافقة على ما شرّعته السلطة التنفيذية في فترة غيابه فيكتفي بمجرد الصمت، أي حتى الأغلبية البسيطة وهي أغلبية الأعضاء الحاضرين لا تمارس هنا، من أجل إبقاء هذا التشريع، بينما إذا ذهب رأيه إلى رفض المرسوم بقانون أو طلب تعديله فإن الأغلبية تختلف وتصبح أكثر شدة وهي أغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.
خامساً: جعلت المادة (104) من الدستور اختصاص سن التشريعات في فترة حل مجلس الشورى لسمو الأمير بمعاونة مجلس الوزراء، وفترة حل البرلمان وفقاً لهذه المادة قد تطول لتصل إلى ستة أشهر وربما أطول. هذا الأمر يحتاج إلى إعادة النظر فيه، ذلك أن حل البرلمان يعد في الواقع من ضمن فترات عدم انعقاد المجلس الذي يفترض أن تسري بشأنه الأحكام الخاصة بالمراسيم بقوانين، أي يفترض أن تعرض هذه التشريعات كذلك على مجلس الشورى في أول اجتماع له بعد أن يشكل من جديد ثانية، ليقول رأيه فيها، ولكن المادة (104) للأسف أخرجت حالة حل المجلس من نطاق تلك الأحكام، وجعلت الاختصاص بأكمله للسلطة التنفيذية.
وفي الختام، ينبغي التأكيد بأن السلطة التي تملك سن القانون هي السلطة الأقوى، وأن الدستور القطري حاول أن يوزع اختصاص سن التشريع بين مجلس الشورى والسلطة التنفيذية، إلا أن الدارس لتلك المواد الدستورية يرى بوضوح رجحان كفة السلطة التنفيذية في ذلك مما يعد إخلالا بمبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر تحقيق التوازن النسبي بينها من أهم أركانه. ونضيف بأن عدم وجود برلمان منتخب إلى الآن، وعدم تفعيل المحكمة الدستورية تجعل اختصاص سن التشريع بأكمله، نظرياً وعملياً، للسلطة التنفيذية، أي تجعلها تنفرد بالقوة جميعها.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق