الثلاثاء، 1 مارس 2011

تهافت القوانين!

تهافت القوانين!
2011-02-22


المؤسسات الخاصة ذات النفع العام؛ وهي تلك التي يؤسسها شخص أو أكثر من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين لتحقيق النفع العام دون أن يكون هدفها تحقيق الربح المادي، كانت قبل عام 2006 تخضع لقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم (8) لسنة 1998، والذي ألغى وحل محله قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم (12) لسنة 2004. وكانت مالية هذه المؤسسات تخضع للمواد الواردة في الفصل الثاني من هذا القانون، ومن أهمها المادة (40) التي تؤكد على أن "تعتمد المؤسسة الخاصة في ممارسة نشاطها على التمويل الذاتي، ولا يجوز منحها إعانات حكومية.."، كما كانت هذه المؤسسات تخضع في أعمالها لإشراف وزارة الخدمة المدنية ورقابتها، التي كانت تملك عزل المديرين إذا ثبت استعمالهم أموال المؤسسة فيما لا يتفق مع أغراضها، وكان بإمكان الوزارة كذلك الاطلاع على دفاتر المؤسسة وسجلاتها ووثائقها، ومطالبتها بتقديم أية مستندات أو معلومات أو بيانات. بل كان القانون يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة كل من باشر نشاطاً يخالف الغرض الذي أنشئت المؤسسة من أجله، أو أنفق أموالها فيما لا يحقق هذا الغرض أو دخل بأموالها في مضاربات.
وبإمعان النظر في تلك المواد يتضح هدف المشرع في تلك الفترة ورغبته في وضع القواعد والضوابط القانونية لكل من يرغب من الوجهاء أو الأعيان أو غيرهم في رد الجميل لهذا الوطن الغالي من خلال إنشاء مؤسسة خاصة "أي تمول من أموالهم الخاصة"، وهدفها تحقيق نفع عام، أي يعود خيرها على أفراد المجتمع وعلى الوطن. لذا نرى المشرع يذهب إلى حد التأكيد على "عدم منحها إعانات" من أموال الدولة ويؤكد على أن المؤسس مسؤول وحده عن ما يستلزمه نشأتها من نفقات. كما يذهب إلى حد المعاقبة الجنائية لكل من أهدر أموال المؤسسة بانفاقه إياها فيما لا يحقق غرض إنشائها. فعلى الرغم من كون هذه الأموال أموالا خاصة، إلا أن المشرع أدرك أهمية فرض حمايته عليها، لكونها بعد تأسيس المؤسسة أصبحت مخصصة للنفع العام.
ولكن ماذا حصل في عام 2006؟
في هذا العام صدر مرسوم بقانون بشأن المؤسسات الخاصة ذات النفع العام رقم (21) لسنة 2006، والذي أخرج هذا النوع من المؤسسات من نطاق قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة. تاركاً هذا الأخير ليعيق فقط "كل من لا ظهر له" كالجمعيات المهنية أو الاجتماعية أو الثقافية، بقواعده القاسية غير الدستورية، ابتداء من شروط وإجراءات الحصول على الترخيص والتسجيل والشهر، مروراً بالرسوم السنوية الباهضة وانتهاء بقواعد الأشراف والمراقبة والمعاقبة، ليكتب لها الفشل منذ البداية، على الرغم من أن تكوين هذه الجمعيات هو من يفترض أن تُبسط القواعد القانونية ليفعل ممارسته كحق كفله الدستور!.
أما في الجانب الآخر فنجد المؤسسات الخاصة ذات النفع العام قد خرجت من نطاق ذلك القانون وأصبحت تنظم بقواعد جديدة معاكسة تماماً لتلك التي تخضع لها الجمعيات المهنية أو غيرها أو تلك التي كانت هي ذاتها تخضع لها قبل عام 2006! فإنشاؤها أصبح لا يستدعي سوى التسجيل في الجهة المختصة بتوثيق المحررات بوزارة العدل، وخلافاً لما مضى يمكن منحها إعانات مالية ضخمة أو فلكية ومزايا عينية وأراضي شاسعة وواسعة، علاوة على إعفاءات من الضرائب والرسوم، ولها أن تبرم ما تشاء من عقود واتفاقيات وأن تنشئ ما تشاء من فروع، بل أصبح القانون لا يخضعها للمحاسبة أو المراقبة أو يبسط عليها الحماية لمنع كل من تسول له نفسه هدر مالها المخصص للنفع العام أو الإسراف فيه. كما أن بعضها أصبح يفسر غرض نشأتها بالمفهوم الواسع بحيث يشمل كل ما يرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بغرض نشأتها، حتى يتبادر إلى الذهن أنها دولة في دولة.
وفي عام 2007 خطى المشرع بهذا القانون منحى أسوأ للأسف الشديد عندما أفرغه من معناه فأجاز أن تنشأ هذه المؤسسات بما يخالف أحكامها المنصوص عليها في القانون، أي عدم الالتزام حتى بتلك القواعد المعيبة التي لا تساهم في حماية المال العام.
والسؤال الذي يثار هو: لمصلحة من يتهافت القانون من مستواه الذي كان يساهم حتى ولو بشكل متواضع في الرقابة وتفعيل مفهوم المؤسساتية إلى التخلص منها والتوجه نحو الانفرادية في اتخاذ القرارات وفي الصرف والتعاقد.
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

هناك تعليق واحد: