الثلاثاء، 1 مارس 2011

البحث عن الحقيقة!

البحث عن الحقيقة!
2011-03-01


مضى أكثر من سنتين ونصف على صدور قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم (12) لسنة 2008، وتعيين رئيس لها، دون أن يبدأ العمل بالقانون أو أن تشكل المحكمة فعلياً، أو تمارس صلاحيتها في النظر في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح. نعرف أن هناك وزراء بلا وزارة أو وزراء دولة، ولكن أن يكون هناك رئيس محكمة بلا محكمة فهذا أمر جديد ومستغرب.!
لا أعرف سبب تأخر تفعيل هذه المحكمة، ولكنه بلا شك ليس ما كشفت عنه وكالة الأنباء القطرية مؤخراً بشأن تأخر الدعوة إلى انتخابات مجلس الشورى، والمتمثل في عدم اكتمال التشريعات، فقانون المحكمة الدستورية العليا موجود وصادر ومكتمل منذ زمن، بل لدينا في تاريخ دولة قطر قانونين صدرا في زمن قريب وغير متباعد لتفعيل الرقابة الدستورية! هما قانون رقم (6) لسنة 2007 بشأن الفصل بالمنازعات الدستورية، والذي ألغي في يوم وليلة، قبل أن تفعل مواده ويحل محله القانون الحالي والذي بقيت مواده كذلك حبيسة الأوراق التي كتبت عليها ولم تر النور. إذن عدم اكتمال التشريعات المتعلقة بالمحكمة الدستورية العليا ليس السبب وراء التأخر في ممارستها لاختصاصاتها. وقبل أن أبين مجتهداً تصوري عن السبب الحقيقي وراء غيبة المحكمة، أتمنى من الله ألا تتعادى هذه الأخيرة من مجلس الشورى المنتخب الذي وعِدنا به منذ النظام الأساس المؤقت في 1970 أي قبل أكثر من أربعين عاماً، فلا نرى المحكمة، مثلما لم نر المجلس المنتخب، رغم تأكيدات المسؤولين بأنه آت، آت لا محالة.!
وعن تصوري بشأن سبب تأخر تفعيل المحكمة الدستورية، أرى بأن الدولة عندما تمارس اختصاصاتها لابد أن يكون ذلك ضمن غطاء قانوني والذي يتمثل علاوة على الدستور في القوانين. وفيما عدا اللوائح التي تنفرد بها السلطة التنفيذية والتي يجب أن تتقيد بأحكام كل من الدستور والقانون دون أن تخرج عنها أو تخالفها، فإن القوانين أدوات ينبغي أن تشترك كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في وضعها وفقاً للدستور الدائم. فالقانون أداة تشريعية يحق لأعضاء مجلس الشورى اقتراح فكرته، ثم مناقشة مشروعه والتصويت عليه قبل رفعه للأمير للتصديق عليه وإصداره. كما أن الاتفاقيات التي تبرمها الدولة والتي تتعلق بالصلح أو بإقليم الدولة أو بحقوق السيادة، أو بحقوق المواطنين العامة أو الخاصة أو تتضمن تعديلاً لقوانين الدولة، لا بد أن تعرض على مجلس الشورى لكي تصدر بقانون.
ومشاركة مجلس الشورى في وضع القوانين أو اعتماد الاتفاقيات المذكورة نص عليها الدستور الدائم، الذي لن تفعل مواده بشأن مجلس الشورى المنتخب! لذا فإن ما يحدث الآن في عدم الدعوة للمجلس المنتخب يخدم انفراد السلطة التنفيذية في وضع هذه الأدوات التشريعية دون مشاركة حقيقية وفعلية من مجلس الشورى.
ولكن هل يكفي السلطة التنفيذية مجرد تأخير الدعوة للمجلس المنتخب كي تنفرد في وضع هذه الأدوات التشريعية، أو اعتماد تلك الاتفاقيات؟، الإجابة حتماً لا!، فهناك مشكلة أخرى تتمثل أولاً في رقابة المحكمة الدستورية لهذه الأدوات، فنصوص ومواد هذه الأخيرة يجب أن تنسجم وتخضع لأحكام الدستور، وإلا سوف توصم بعدم الدستورية وتبطل عندما ترى المحكمة ذلك. علاوة على أن الاتفاقيات التي تبرمها الدولة والتي إما أن تصدر بقانون أو بمرسوم له قوة القانون لا تخرج عن رقابة المحكمة الدستورية العليا إن خالفت نصاً من الدستور، ولما كانت المحكمة هي من تختص بذلك، فإن تعطيلها سوف يخدم كذلك انفراد السلطة التنفيذية في وضع ما تشاء من أدوات تشريعية أو اعتماد ما تشاء من اتفاقيات دون رقابة من أية سلطة أخرى.
هذا مجرد تصور، ولاشك بأننا نحسن الظن في السلطة التنفيذية، ولكن تكرار التمديد لمجلس الشورى المعين دون ذكر الأسباب الحقيقية المقنعة للمواطنين صراحة في مراسيم التمديد، وغياب الشفافية في ذكر الأسباب الحقيقة من غيبة المحكمة الدستورية العليا، تؤدي إلى هذه النتيجة، وهي باختصار أن الحكومة تريد الانفراد في اتخاذ القرار، ولا ترغب بوجود حقيقي للسلطة التشريعية المتمثلة في المجلس المنتخب، أو في رقابة السلطة القضائية المتمثلة في المحكمة الدستورية العليا، وكأننا "توهقنا" بالدستور بعد أن وضعناه.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح أخيراً، هل يمكن أن تبنى دولة المؤسسات، في غيبة مجلس تشريعي منتخب، ومحكمة دستورية؟
هذا، والله من وراء القصد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق