الثلاثاء، 1 مارس 2011

سقوط الدساتير

سقوط الدساتير
2011-02-15


قد ينتهي العمل بالدستور في أي بلد من بلاد العالم بطريقة عادية طبيعية، وقد يكون إنهاؤه بطريقة استثنائية. فالأولى تتم عندما ترى الأمة بأن الدستور القائم يقف عائقاً أمام تطورها، وأن التعديل الجزئي لبعض مواده لا يخدم رؤيتها، لذا تضع دستوراً جديداً من خلال تشكيل لجنة أو جمعية منتخبة تعده فيصبح نافذا مباشرة، أو تعد مشروعه ولا يصبح نافذاً إلا بعد عرضه على الشعب في استفتاء، فإن رضا الأغلبية به ينتهي العمل بالدستور السابق.
وقد يكون انتهاء العمل بالدستور بطريقة غير عادية، تتمثل بالانقلاب أو الثورة. ويميز بعض الفقهاء بين الانقلاب والثورة في أن مصدر هذه الأخيرة هو الشعب، في حين يصدر الانقلاب من شخص كقائد الجيش أو أحد أفراد الأسرة الحاكمة مثلاً، أو من فئة معينة تدعم هذا أو ذاك مثلاً. ويميز آخرون بينهما كذلك من خلال النظر إلى أهداف كل منهما، فإن كانت مجرد إحلال حكومة أو شخص محل آخر، أي مجرد الاستئثار بالسلطة، فنكون أمام انقلاب، أما إذا كان الهدف اشمل وأوسع بحيث يقيم نظاماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً مغايراً للنظام السابق فنكون أمام ثورة.
هذا وقد أثار نجاح الثورة الشبابية المباركة في مصر تساؤلاً لدى البعض يتمثل في مدى سقوط الدستور بسقوط النظام السابق. بتعبير آخر، هل نجاح الثورة في بلد ما يؤدي إلى سقوط الدستور مباشرة؟ أم أن الأمر يقتضي إعلاناً صريحاً بإنهاء العمل به من قبل من تقلد زمام الأمر في تلك البلد؟
هذا التساؤل في الحقيقة ليس جديداً بل قد ناقشه بعض أساتذة القانون الدستوري في مؤلفاتهم، حيث ذهب البعض إلى سقوط الدستور فور نجاح الثورة وأنه حتى لو أعلن قادة الثورة بعد ذلك صراحة سقوطه فإن إعلانهم لم يأت ليخلق وضعاً قانونياً جديداً بل جاء ليكشف واقعة سبق أن حدثت. بينما يذهب آخرون وهذا ما نفضله إلى أن نجاح الثورة لا يؤدي مباشرة إلى سقوط الدستور، وإن إنهاء العمل بهذا الأخير يحتاج في حقيقة الأمر إلى إعلان صريح بذلك ممن تولى الأمر في البلاد بعد نجاح الثورة. فقد يرى بأن الدستور جيد وديمقراطي ولا يتعارض مع أفكار الثورة، وأنه يؤكد على الحقوق والحريات العامة ويكفلها، ويضمن تداول السلطة، إلا أن نصوصه لم تكن تلامس الواقع في عهد النظام البائد الذي تعمد حبسها في أطار الأوراق التي كتبت عليها، فمجيء الثورة إذن كان ليصحح الواقع ويفعل مبادئ وأحكام الدستور فترى النور وتمارس الحريات.
كما قد يرى رجال الثورة بأن الأمر لا يستدعي إلغاء الدستور كلياً بل مجرد إجراء تعديلات محدودة لبعض مواده، فلا يعدل إلا ما يخالف الأهداف التي قامت الثورة من أجلها، أو للتأكيد على بعض الضمانات أو توضيحها بدقة أكثر.
ومن الفائدة التأكيد أخيراً، بأن إنهاء العمل بالدستور إثر قيام الثورة لا يؤدي إلى إنهاء العمل بالقوانين العادية كالقانون المدني أو الجنائي أو التجاري أو قانون الأسرة، بل تبقى هذه سارية المفعول، فالدولة لا يمكن أن تعيش في فراغ قانوني، كما أن مضمون هذه القوانين لا يتعلق مباشرة بموضوعات دستورية. ومع ذلك فقد يتم تعديل بعض نصوص هذه القوانين إن كانت أفكار الثورة تتعارض معها.
هذا، والله من وراء القصد.

halsayed@qu.edu.qa

هناك تعليق واحد:

  1. لكن اسقاط الدستور الذى هو اعلى قانون فى الدوله يعنى اسقاط ما هو ادنى ولى سؤال هل سقوط الدوله يسقط القوانين ام لا

    ردحذف