الثلاثاء، 1 فبراير 2011

قانون المسيرات القطري وواقع المظاهرات

نشر بجريدة الشرق تحت عنوان "سلطة القانون ومظاهرات العالم العربي"
2011-02-01


لا يكاد يخلو يوم من أيام شهر يناير الذي انصرم بالأمس من مظاهرة في الوطن العربي، ولدت شرارتها بإيقاد "بوعزيزي" النار في نفسه لتحرِق المستبدين وينتفض الشعب، ويسقط النظام، وتولد الحرية والعدالة، وتنبعث رائحة الياسمين. هذه النار انتشرت في الهشيم لتهدد كل نظام ظالم. فشهدت أغلب دول العالم مظاهرات ومسيرات وتجمعات، بعضها مطالبة بالتغيير والإصلاح، وبعضها محتجة على رفع أسعار السلع الأساسية، أو رداءة البنى التحتية، أو الفساد، وبعضها مؤيدة ومباركة لرغبة الشعب التونسي وانتصاره ومتمنية أن يعتبر النظام لديها، ويفهم الطغاةُ الشعوبَ قبل أن يفوت الأوان، وبعضها مؤيد لانتفاضة الشباب المصري. ويمكننا أن نكتفي هنا بضرب أمثلة لمظاهرات شهدها فقط الأسبوع الأخير من شهر يناير: ففي 25 يناير اندفعت مظاهرات الغضب في مصر وهي مستمرة إلى اليوم، وفي 27 يناير تجددت مظاهرات اليمن مطالبة برحيل صالح ونظامه ورفض التوريث، وفي 28 يناير شهدت الأردن مظاهرات في مدن متفرقة احتجاجاً على غلاء المعيشة، كما شهدت جدة مظاهرة في ذات اليوم، وفي 29 يناير تظاهر آلاف الجزائريين مطالبين بتغير جذري، وفي 30 يناير عرفت السودان مظاهرات طلابية منددة بالحكومة ومطالبة باستقالتها.
وقد دفعتني هذه الأحداث إلى مراجعة القانون القطري رقم (18) لسنة 2004 بشأن الاجتماعات العامة والمسيرات، والذي يفترض ألا تخرج أحكامه وقواعده عن كفالة الدستور لحق التجمع، حيث نصت المادة (44) من الدستور الدائم لدولة قطر على أن "حق المواطنين في التجمع مكفول وفقاً لأحكام القانون".
وقد عرّف القانون القطري المسيرة بأنها "كل موكب يسير أو تجمع يقام، في الطرق والميادين العامة، ويشارك أو يتوقع أن يشارك فيه أكثر من عشرين شخصاً، سواء كان صامتاً أو مصحوباً بهتاف أو صياح". وقد اشترط القانون لتسيير المسيرة أو تنظيمها أو الدعوة إليها أو الإعلان عنها أو إذاعة أنباء بشأنها أن يتم ذلك بعد الحصول على ترخيص من مدير عام الأمن العام، بناء على طلب كتابي يقدم إليه موقعاً من عدد لا يقل عن ثلاثة ممن لهم علاقة بالمسيرة، موضحاً الزمان والمكان وخط السير. على أن يقدم هذا الطلب قبل الموعد المحدد للمسيرة بسبعة أيام على الأقل، ويعتبر الطلب مرفوضاً إذا لم يرد عليه قبل الموعد المحدد بثلاثة أيام.
ووضع القانون بعض القواعد المتعلقة بالمسيرة إذ لا يجوز أن تبدأ قبل الثامنة صباحاً، ولا يجوز أن تستمر بعد غروب الشمس إلا بإذن من وزير الداخلية أو ممن ينوب عنه. كما لا يجوز أن يحمل أي شخص يشارك في المسيرة سلاحاً حتى وإن كان مرخصاً، ويجب ألا يسيء التجمع إلى سمعة الدولة أو الدول الأخرى. كما يجوز للشرطة أن تعدل من خط سير المسيرة أو مكان التجمع إذا تبين لها أن من شأنه الإخلال بالأمن والنظام العام أو تعطيل حركة المرور. ثم يسرد القانون سلسلة من المواد التي تعاقب بالحبس والغرامة تحل بمن يخالف القواعد والشروط المنظمة لهذا الحق.
ولنا على هذه القواعد والشروط التي وردت في القانون بعض الملاحظات،
أولاً: أن المشرع عندما ينظم التجمع يجب ألا يغيب عن مفهومه أنه حق للمواطنين قبل كل شيء، وأن الدستور كفله، وأن التنظيم لا يعني بأي حال من الأحوال تفريغ الحق من معناه، ويجب أن يقتصر دور القانون على تحقيق التوازن بين أمرين: إتاحة ممارسة هذا الحق للمواطنين من جانب، وتحقيق مصلحة المجتمع لا النظام من جانب آخر، ومصلحة المجتمع تتمثل، في عدم الاعتداء على الممتلكات الخاصة أو العامة أو ثوابت المجتمع أو حقوق الآخرين أو إثارة الشغب أو العنف أو الفوضى. إذن طالما ستسير المظاهرة في إطارها السلمي دون أن تتجاوز غرضها، فلا يحق للحكومة أن ترفض إقامتها أو تمنع استمرارها.
ثانياً: بما أن التجمع حق كفله الدستور، فلا أرى مناسباً أن يكون بناء على ترخيص أو طلب إذن لإقامته، وإنما ينبغي أن يقتصر الأمر على "إخطار" أو "إبلاغ" الجهة المختصة بموعد اقامته ومكانه وخط سيره. ويمكن حصول المنظمين للمسيرة على إيصال من الجهة المعنية للتدليل أو الإثبات بأنهم قاموا بإخطارها.
ثالثاً: ان الفترة الزمنية التي اشترطها القانون القطري لطلب الترخيص للمسيرة وهي سبعة أيام على الأقل قبل الموعد المحدد لإقامتها فيها تطويل قد يفوت على المواطنين الهدف من ممارسة حقهم، لا سيما وأن ممارسة هذا الحق هو وليد الظروف أو الأحداث المسببة له، لذا أرى تقليص فترة إبلاغ السلطة أو إخطارها، ليكون من الجائز القيام بالإخطار في فترة لا تقل عن أربع وعشرين ساعة عن موعد إقامة التجمع أو المسيرة، وهي فترة كافية لتهيئ السلطة نفسها حمايةً وتنظيماً وليس إخماداً وكبتاً.
رابعاً: إن افتراض المشرع عدم رد الجهة المعنية على طلب الترخيص قبل ثلاثة أيام من موعد إقامة المسيرة رفضاً ضمنياً، لا ينسجم مع كون التجمع والمسيرة حقا، إذ ينبغي تعديل هذه المادة لكي تعني "العكس"، بمعنى إذا لم ترد الجهة المختصة فإن ذلك يعني عدم ممانعتها لإقامة المظاهرة.
خامساً: في حالة ممانعة أو رفض الجهة المختصة إقامة المسيرة أو التجمع أن يكون هذا الرفض مسبباً، ولأسباب واضحة وحقيقية، ويمكن للمنظمين التظلم بشأنه ثم التقاضي.
سادساً: أن المشرع وضع عقوبات مختلفة لمن يخالف القواعد والشروط المنظمة لحق التجمع، ومنها على سبيل المثال: عقوبات لمن يبدأ بالمسيرة قبل الساعة الثامنة صباحاً أو يبقى بها بعد غروب الشمس، أو من يعلن عن مسيرة غير مرخصة بأية وسيلة من وسائل النشر (تدخل ضمنها الوسائل الإلكترونية مواقع، منتديات، فيس بوك، إيميلات، مسجات، إلخ...)، أو يشترك فيها، ونرى بأن من الإجحاف معاقبة المواطن على ممارسة حقه، لاسيما إذا سلمنا بأن هذا الحق لا يحتاج إلى ترخيص لممارسته، بل مجرد إخطار تفرضه مصلحة المجتمع في تنظيم المظاهرة وعدم خروجها عن أهدافها السلمية.
هذا، والله من وراء القصد.
halsayed@qu.edu.qa

هناك تعليقان (2):

  1. و مش عاجبهم قانون التظاهرالمصرى نجبلهم القطرى !!

    ردحذف
  2. السلام عليكم و رحمه الله و بركاته :
    انا عايزه أسأل عن الخطواط لكسب الترخيص يعني مذا علي ان افعل و من اكلم لأحصل علي الترخيص هل لي ان اذهب إلي أي مركز شرطه؟

    ردحذف