الخميس، 3 فبراير 2011

لماذا نخشى العدالة؟!

لماذا نخشى العدالة؟!
2007-04-24


صدر قانون الفصل في المنازعات الإدارية الذي منح كل ذي مصلحة حق التقاضي والطعن في القرارات الإدارية النهائية الصادرة عن الأجهزة الحكومية أو الهيئات أو المؤسسات العامة، وأغلق بالتالي صفحات من مرحلة الإدارة التي استمرت أكثر من خمس وأربعين سنة منذ إنشاء أول محكمة نظامية في دولة قطر. والتي كان فيها المرء يمشي إلى خصمه (الإدارة) ليتظلم، وهو مثقل بالشك وعدم الثقة في أن يتم إنصافه حقاً!!.

ومع فرحتنا الكبيرة بصدور هذا القانون الذي يعد بحق خطوة كبيرة نحو الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، وابتعادا عن الاستبدادية ودولة القرارات الشخصية المرتجلة وإساءة استعمال السلطة، إلا أن ما تضمنته المادة (3) من قانون الفصل في المنازعات الإدارية من استثناءات على اختصاص الدائرة الإدارية يعد وللأسف الشديد شرخاً كريهاً ومؤلماً لحق التقاضي المكفول دستورياً للناس كافة.

فالمادة (3) من القانون بعد أن عددت اختصاص الدائرة الإدارية استبعدت عن نظر القضاء أعمال السيادة ومسائل الجنسية، والقرارات الصادرة بموجب قانون حماية المجتمع، والقرارات الصادرة بموجب القوانين المتعلقة بالجمعيات والمؤسسات الخاصة، والمطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات وتراخيص الأسلحة والذخائر والمتفجرات، ودخول وإقامة الأجانب وإبعادهم، ونزع الملكية للمنفعة العامة !!!.

ويجدر بنا أن نستعرض أمثلة للقرارات الصادرة بموجب القوانين المذكورة في المادة رقم (3) أعلاه لندرك سبب خشية المشرع من أن تعرض المنازعات المرفوعة بشأنها على المحاكم. فأعمال السيادة وكما سبق التطرق لها في مقال سابق، مصطلح غير محددة المعالم وقد اختلف القضاء والفقه الفرنسي والعربي في وضع معيار مناسب لتحديد مفهومها، وهي منتقدة لغموضها من جانب ولاتساعها من جانب آخر بحيث تخفي كل ما ترغب الإدارة إخفاءه عن الرقابة. أما مسائل الجنسية فقد تشمل القرارات المتعلقة بمنح الجنسية القطرية أو إسقاطها أو سحبها. أما القرارات الصادرة بموجب قانون حماية المجتمع، فمن أمثلتها قرار التحفظ على المتهم في الجرائم المتعلقة بأمن الدولة أو العرض أو خدش الحياء أو الآداب العامة. والتحفظ كلمة استخدمها المشرع للتلطيف! وتعني في الواقع حبس المتهم، وفيه انتهاك غير مقبول للضمانات الدستورية التي كفلتها مواد قانون الإجراءات الجنائية بشأن سماع المتهم والمدة المقررة لحبسه احتياطياً.

أما القرارات الصادرة بموجب قانون الجمعيات والمؤسسات العامة فمن أمثلتها قرار رفض الطلب الذي يقدمه المؤسسون لتسجيل الجمعية وشهرها، وقرار حل الجمعية. ومن أمثلة القرارات الصادرة بموجب قانون المطبوعات والنشر وتراخيص إصدار الصحف والمجلات، قرار تعطيل المطبوعة الصحفية أو إلغاء ترخيصها، وقرار منع تداول المطبوعة. أما القرارات المتعلقة بتراخيص الأسلحة والذخائر والمتفجرات فمنها ذلك الذي يصدر لرفض منح الترخيص أو تقصير مدته أو سحب الترخيص مؤقتاً أو إلغائه. وأخيراً من أمثلة القرارات المتعلقة بنزع ملكية العقارات للمصلحة العامة: قرار نزع الملكية وما ورد بكشوف وخرائط تقدير العقارات المنزوعة ملكيتها ومساحتها وحدودها، وملاكها وأصحاب الحقوق عليها، وقرارات تقدير قيمة التعويض.

في جميع الأمثلة السابقة نجد المشرع إما أن يترك لجهة الإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ القرار بما تراه مناسباً، أو أن يقيد سلطة الإدارة في اتخاذه بما اشترطه وتطلبه من قيود وإجراءات دون أن يمنحها هامشا من الحرية. وفي كلتا الحالتين ليست هناك أية خشية من خضوع هذه القرارات لرقابة القضاء فينظر في الطعون المقدمة من ذوي المصلحة عند شعورهم بظلم وقع عليهم نتيجة اتخاذها. لذا لا نتفهم نزع هذه المسائل من ولاية القضاء، فعلاوة على ما فيها من تحلل من حكم القانون وسلطانه وإطلاق ليد السلطة التنفيذية دون قيد أو رقيب عليها، وعدم ثقة بنزاهة القضاة وعدل القضاء، فإن فيها إخلالا بمبدأ توازن السلطات ورقابة كل منها للأخرى، التي كرستها نصوص الدستور ومذكراته التفسيرية.

والله من وراء القصد.

هناك تعليق واحد:

  1. اقتباس
    ((في جميع الأمثلة السابقة نجد المشرع إما أن يترك لجهة الإدارة سلطة تقديرية في اتخاذ القرار بما تراه مناسباً، أو أن يقيد سلطة الإدارة في اتخاذه بما اشترطه وتطلبه من قيود وإجراءات دون أن يمنحها هامشا من الحرية))


    د حسن السيد

    ردحذف