الاثنين، 7 فبراير 2011

الوزراء التجار

الوزراء التجار
2011-02-08


أكد رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق في أكثر من مقابلة له؛ في معرض إبرازه للخطوات الجادة “وفقاً لوجهة نظره” التي يتخذها النظام في مجال الإصلاح السياسي، بعد زلزال الغضب الشعبي الذي هدد ولا يزال يهدد بإسقاط النظام؛ ورداً منه على من يقلل من أهمية التغيير الوزاري الذي جاء جزئياً لاحتواء الحكومة على وزراء سابقين؛ “بأن الحكومة الجديدة التي يترأسها لا تغلب على أعضائها سمة رجال الأعمال كما كان حال الحكومة المستقيلة، وأن الوزير الوحيد الذي يجمع بين هاتين الصفتين، أي (وزير ورجل أعمال) موجود بشكل استثنائي”، مبيناً أن “الوزارة تحتاج إليه في الوقت الراهن وبعد ذلك سيدرس أمر استبعاده”.
تأكيدات أحمد شفيق رئيس الحكومة المصرية الجديد على عدم ضم حكومته إلا على وزير واحد تبين مدى أهمية إبعاد رجال الأعمال، عن العمل الحكومي، في عملية الإصلاح السياسي، وتعد بلا ريب اعترافاً ضمنياً بفساد أولئك الوزراء التجار في حكومة سلفه المستقيلة.
وبغض النظر عما قيل في تبرير ممارسة الوزراء للتجارة، ومنها: الرغبة في عدم حرمان الأداء الحكومي من قيادات أكسبها العمل في القطاع الخاص رؤية أوسع وإدراك أشمل وفاعلية مرنة يمكنها التمرد على الجمود البيروقراطي ويمكنها إنجاح خطط الدولة التنموية، فإن هذه المزايا ستصطدم بلا ريب بالطبيعة البشرية التي أدركها المنطق السليم منذ القِدم، مما جعل المشرع في أغلب الدول يقرر حظر الجمع بين المسؤولية العامة وممارسة التجارة، حفاظاً على المال العام، وتجنباً لشبهة استغلال النفوذ التي تشدخ الثقة العامة بالنظام وتنتهك مبدأ المساواة.
وفي دولة قطر نجد أن النظام الأساسي المؤقت المعدل “الدستور السابق” كان يدرك أهمية ذلك فأكد عليه في صلبه حيث نصت المادة (38) منه، على أنه “لا يجوز للوزراء أثناء توليهم مناصبهم، أن يزاولوا أي عمل مهني أو تجاري أو أن يدخلوا في معاملة تجارية مع الدولة. ويجب أن يستهدف سلوكهم جميعاً إعلاء كلمة الصالح العام وإنكار المصالح الذاتية إنكاراً كلياً. ويمتنع عليهم أن يستغلوا مراكزهم الرسمية بأي صورة كانت لفائدتهم أو لفائدة من تصلهم به علاقة خاصة..”.. ولكن للأسف هذا الأمر لم يدركه المشرع العادي الذي أجاز في المادة (11) من قانون رقم (21) لسنة 2004 بشأن الوزراء إمكانية ممارسة الوزير للنشاط التجاري إذا كان غير متعارض مع طبيعة العمل الذي يقوم به!

ولا أفهم متى يمكن أن تكون طبيعة عمل الوزير غير متعارضة مع النشاط التجاري التي تبرر ممارسته لها، ، ومدى حقيقة اقتصار شبهة استغلال النفوذ على هذه الحالة فقط دون غيرها! وبمقارنة ما جاء في النظام الأساسي المؤقت المعدل بالدستور الدائم، نجد هذا الأخير قد أهمل ما كان مقرراً، مكتفياً بالنص فقط على “أن يستهدف الوزراء في سلوكهم مصالح الوطن وألا يستغلوا مناصبهم الرسمية بأي صورة كانت لفائدتهم أو لفائدة من تصله بهم علاقة خاصة”.
ولا أدعو هنا إلى إصدار قانون “من أين لك هذا”، أو غيره من التشريعات المماثلة، ذلك أن النصوص التشريعية سوف تبقى مجرد نصوص صماء لا فائدة منها إذا لم تتوافر لها آليات وأدوات التنفيذ في الواقع العملي. وأرى أنه من أهم هذه الآليات: هو وجود برلمان حقيقي منتخب يمارس دوره الرقابي ويتصدى لأي شبهة استغلال للنفوذ أو تعارض للمصالح، وأن يمنح ديوان المحاسبة استقلالاً مالياً وإدارياً عن الجسم الحكومي وأن تمتد اختصاصاته لتشمل كل قطاع أو مؤسسة تمول من المال العام دون استثناء، وأن يعاد النظر في قانون الجمعيات بحيث تصيب كبد حقيقة منظمات المجتمع المدني، ناهيك عن أحياء جسد الإعلام والصحافة بنفخ الحرية فيه.

halsayed@qu.edu.qa

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق